جان نويل بارو: يموت أكثر من 1000 جندي روسي كل يوم


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 00:21
المحور: مقابلات و حوارات     

ترجمة وتقديم: أحمد رباص
تقديم:
أجرى موقع (لا تريبون ديمانش)، مع جان نويل بارو، وزير أوربا والشؤون الخارجية في للحكومة الفرنسية، مقابلة حول تطورات حرب روسيا على أوكرانيا. يسعد جريدة “تنوير” أن تقدم لقرائها النص الكامل لهذا الحوار بعد نقله إلى اللغة العربية.

سؤال: بعثت الولايات المتحدة إلى روسيا بنسخة جديدة من خطة تسوية الصراع بعد مناقشات مع المسؤولين الأوكران في جنيف. فهل تم إبلاغ الأوروبيين بمحتواها؟
جواب: لم يدخر الأوروبيون أي جهد في إبداء رأيهم في المناقشات التي تنطوي على هاجس واحد: السلام في أوكرانيا والأمن في أوروبا. وقد أتت تعبئتنا بثمارها. وبعد عرض خطة السلام المكونة من 28 نقطة، حصلنا من الولايات المتحدة على أنها تدرك لأول مرة عزمها على المساهمة في الضمانات الأمنية التي كنا نستعد لها منذ أشهر.
كما حرصنا على أن ما يتعلق بالقرارات الأوروبية لا يمكن تنفيذه بدوننا تحت أي ظرف من الظروف. وينطبق هذا على عملية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى الأصول الروسية التي تم تجميد حركتها في أوروبا، وعلى إعادة اندماج روسيا في مجموعة السبع، أو في المقام الأول، على الأمن الأوروبي. واعتبارا من يوم الاثنين فاتح دجنبر، سنرحب بالرئيس زيلينسكي في باريس للمضي قدما بالمفاوضات. إن السلام في متناول اليد إذا تخلى فلاديمير بوتين عن الأمل المجنون في إعادة تشكيل الإمبراطورية السوفييتية من خلال إخضاع أوكرانيا أولاً. أوكرانيا ملك للأوكرانيين وحدهم.
س: أليس من المرجح أن تكون لبوتين الكلمة الأخيرة في هذه العملية من خلال الاتفاق مع الولايات المتحدة على معايير السلام المفروض على أوكرانيا؟
ج: خلال اجتماع تحالف المتطوعين الذي عقده رئيس الجمهورية يوم الثلاثاء 25 نوفمبر، أشار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بوضوح إلى أنه سيكون من الوهم تصور تحقيق سلام قوي ودائم دون “موافقة جميع الأطراف”. بوتين مهتم بأخذ الاقتراح الأميركي على محمل الجد، والذي تم تنقيحه في الحوار مع الأوروبيين في الثالث والعشرين من نوفمبر في جنيف، لأنه فشل عسكرياً.
ويأتي تقدم الجيش الروسي المليمتري في شرق أوكرانيا على حساب خسائر بشرية فادحة، حيث يموت أكثر من 1000 جندي روسي كل يوم على الجبهة. ولإخفاء هذا الفشل، تستهدف روسيا عمدا البنية التحتية المدنية والمناطق السكنية في المدن الخلفية في انتهاك كامل للقانون الدولي وقانون الحرب. لكن لا انخدع. ويتعين على بوتين أن يقبل وقف إطلاق النار أو أن يعقد العزم على تعريض روسيا لعقوبات جديدة من شأنها أن تستنزف اقتصادها، فضلاً عن زيادة الدعم الأوروبي لأوكرانيا.
س: يحافظ بوتين على مطالبه المتطرفة ويتحدى شرعية زيلينسكي برفضه التوقيع معه على اتفاق.
ج: تم انتخاب الرئيس زيلينسكي في انتخابات مفتوحة وشفافة وديمقراطية، وهذا ليس هو الحال بالنسبة لبوتين. إن الحرب التي اختار الرئيس الروسي خوضها هي التي تمنع أوكرانيا من إجراء الانتخابات. أما قضايا الفساد فيجب أن تعالجها المؤسسات المختصة، دون التدخل في عملية السلام.
س: استقالت للتو اليد اليمنى للرئيس الأوكراني، الذي استهدفه تحقيق لمحاربة الفساد. بعد أن أضعفته هذه القضية، هل ما يزال زيلينسكي هو الرجل المناسب لهذا المنصب؟
ج: كرس زيلينسكي نفسه كبطل مقاومة دولة تتعرض لنيران الغزاة. فهو يتمتع بكل الشرعية لقيادة أوكرانيا نحو السلام.
س: أظهر نشر التنصت على محادثات المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف مع يوري أوشاكوف، المستشار الدبلوماسي لبوتين، قربه الشديد من الكرملين. ما هو رد فعلكم؟
ج: أرى أن روسيا تخضع للعقوبات الأمريكية والأوكران يقاتلون بالأسلحة الأمريكية. دعونا نحكم على التزام الولايات المتحدة بالأفعال وليس بالأقوال.
س: في النسخة الأولية من خطة السلام، تقدم الولايات المتحدة نفسها كوسيط بين حلف شمال الأطلسي وروسيا، وكأن الأمن الأوروبي ليس مشكلتها. فهل هذه نقطة تحول بالنسبة للعلاقات عبر الأطلسي.
ج: يعتبر هذا البند باطلا بطبيعته إلى حد أنه لا يمكن لأحد أن يتخذ قرارا ملزما لحلف شمال الأطلسي بدلا من الدول الأعضاء. لقد أعربت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة عن رغبتها في خفض مستوى مشاركتها داخل حلف الأطلسي. وهذه فرصة للأوروبيين ليأخذوا مكانهم الكامل في تطوير رؤيتهم وقدراتهم. من خلال بناء الركيزة الأوروبية لحلف شمال الأطلسي التي هي شرط استقلالنا الاستراتيجي. وفي هذا الصدد، حققت فرنسا انتصاراً مهماً بإدراج مبدأ التفضيل الأوروبي في البرامج الأوروبية الجديدة المتعلقة بالدفاع.
س: ترك رئيس أركان القوات المسلحة انطباعا عندما تساءل عما إذا كنا مستعدين “لقبول فقدان أطفالنا”. يتحدث بوريس بيستوريوس، وزير الدفاع الألماني، عن صيف 2025 باعتباره “الصيف الأخير في زمن السلم”. هل لديك أي دليل يشير إلى أن روسيا تستعد لمهاجمة إحدى دول الناتو؟
ج: عادت الحرب إلى القارة الأوروبية. هوسنا هو إحلال السلام الدائم بين ظهرانينا. ولتحقيق هذه الغاية، يتعين علينا أن نأخذ في الاعتبار العالم أثناء إعادة تشكيله وإعادة تسليح روسيا على نطاق واسع. إن قدرتنا على درء التهديد تعتمد على قوتنا الداخلية والعسكرية والأخلاقية. دعونا نتحلى بالوضوح لندرك أن السلام الآن له ثمن.
س: ما الثمن بالضبط؟
ج: تلك الجهود التي نبذلها لمضاعفة مواردنا العسكرية وبالتالي ردع أي عدوان. في العصر الذي نعيش فيه، يعني إظهار الضعف الظهور كفريسة. ومن الضروري أن تأخذ القوى السياسية ذلك بعين الاعتبار أثناء قيامها بمراجعة ميزانية البلاد. وهذا هو موضوع المناقشة التي دعاهم إليها رئيس الوزراء.
س: في المناقشة الداخلية، تقول مارين لوبان إن ماكرون يفعل الكثير مع التهديد الروسي. يعتقد جان لوك ميلينشون أن الرئيس من دعاة الحرب. بماذا ترد عليهم؟
ج: هنا القادة غير المسؤولين الذين أكلوا دائما من أيدي الكرملين وأحنوا ظهورهم للديكتاتوريين. ولم يخفوا قط افتتانهم بالقادة المستبدين والمحاربين. وإذا مارسوا مسؤولياتهم اليوم، لكلفنا الكثير أمننا الجماعي.
س: هل تمكنت من تقييم التهديد الذي يسمى “الحرب الهجينة”؟
ج: في جميع أنحاء العالم، يحاول خصومنا الإضرار بصورة فرنسا من خلال الحملات التي يتم إطلاقها بشكل خاص على شبكات التواصل الاجتماعي. لكننا لن نسمح بعد الآن لأي شخص بمهاجمة فرنسا أو صورتها دون الرد بقسوة. لقد جهزنا أنفسنا بإمكانية المراقبة والاستجابة الرقمية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع وذلك ما يراه خصومنا بوضوح. كما تحصلنا على الوسائل اللازمة لتنفيذ حملاتنا الخاصة للإشارة إلى أكاذيب وأفعال أولئك الذين يهاجمون حاليا مصالحنا.
س: الأصول الروسية المجمدة هي إحدى أدواتنا في هذا الصراع. وما يزال الأوروبيون يبدون منقسمين للغاية حول هذا الموضوع. فكيف تضع فرنسا نفسها في موقفها، وهي تعلم أن أوكرانيا لابد أن تنفد أموالها النقدية بحلول شهر فبراير على أبعد تقدير؟
ج: الأولوية القصوى هي تأمين تجميد الأصول الروسية الموجودة في أوروبا بشكل مستدام. وهذا رصيد كبير سيسمح لنا بالتأثير على معايير السلام. وهي أيضاً وسيلة لضمان تحمل روسيا، عندما يحين الوقت، المسؤولية عن إصلاح الأضرار الجسيمة التي ألحقتها بأوكرانيا. وبعد ذلك، نريد حماية أوكرانيا من الصعوبات المالية خلال العامين المقبلين، إذا استمرت الحرب. كل هذا سيكون موضوع مناقشات في الأيام المقبلة، مناقشات آمل أن تؤدي إلى قرار في المجلس الأوروبي يوم 18 دجنبر.
س: يوم الاثنين فاتح دجنبر، باريس ترحب بوفد أوكراني. ما هو الغرض من هذه الزيارة؟
ج: سأستضيف حدثين رئيسيين مخصصين لأوكرانيا في Quai d’Orsay، بحضور أولينا زيلينسكا، السيدة الأولى الأوكرانية. أولاً، تسليط الضوء على مبادرة “إعادة الأطفال” التي ترعاها والتي أعادت ما يقرب من 2000 طفل أوكراني أخذتهم روسيا من عائلاتهم. لا شيء يمكن أن يجعلنا ننسى المصير المأساوي لهؤلاء الأطفال الذين تم ترحيلهم إلى معسكرات الإنعاش. ولنتذكر أن جريمة الحرب الشنيعة هذه عرضت بوتين إلى إصدار مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية. سنطلق بعد ذلك الموسم الثقافي الفرنسي الأوكراني للتأكيد على أن الحرب لا تُخاض بالدبابات والمدافع فحسب، بل تُخاض أيضا بأسلحة الروح.
س: أنت ترافق إيمانويل ماكرون هذا الأسبوع إلى الصين. هل يستطيع الرئيس الصيني التأثير على بوتين على أمل إيجاد طريقة لإنهاء النزاع؟
ج: إننا نعول على الصين، العضو الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، للمساعدة في توجيه روسيا نحو وقف فوري لإطلاق النار يسمح بفتح مفاوضات السلام.
س: لكن الموضوع الأول لهذه الزيارة سيكون التجارة؟
ج: بلا، في سياق استيقظت فيه الصين و(أبانت) عن أدائها الاقتصادي المذهل. وفي غضون خمسة وعشرين عاماً، نما اقتصادها من حجم إيطاليا إلى حجم الاتحاد الأوروبي بأكمله. إن سرعة هذا التغيير تهز الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. وإذا لم نكن حذرين، فقد يؤدي ذلك إلى عواقب صناعية مدمرة لا رجعة فيها في أوروبا. ولذلك فمن الملح استعادة التوازن للحفاظ على مصالحنا الأساسية. وإلا فلن يكون أمامنا خيار سوى اتخاذ الإجراءات اللازمة للدفاع عنها.
س: ماذا تعني “استعادة التوازن”؟
ج: إعادة تهيئة الظروف للمنافسة العادلة للجميع والتعاون الاقتصادي المفيد للجميع. وهذا هو الطموح الذي لدينا بينما تستعد فرنسا لتولي رئاسة مجموعة السبع.