برنار فريو: “انتظار 60 عاماً من أجل الحرية أمر مأساوي”


أحمد رباص
الحوار المتمدن - العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 00:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

برنار فريو مفكر اقتصادي وعالم اجتماع، مؤلف لعدة كتب حول موضوع العمل، من بينها كتابه الأخير “لنتحكم في معاشاتنا التقاعدية” (دار لا ديسبوت، 2023)، الذي نُشر حديثا. وهو مفكر ماركسي، يحظى بمقروئية واسعة وتقدير كبير في أوساط اليسار، وينتقد بشدة إصلاح نظام المعاشات التقاعدية، ويدعو إلى إعادة نظر جذرية في علاقتنا بالعمل، من خلال الفكرة الأصلية لـ”راتب مستمر” مدى الحياة لجميع البالغين. يشرح ما يستلزمه ذلك في حوار أجرته معه المجلة الرقمية “فلسفة” ونشرته في مارس 2023.
جاء في السؤال الاول: في كتبك، تتحدى العديد من المفاهيم المسبقة حول التقاعد، ولا سيما فكرة أن التقاعد هو فترة “ما بعد العمل”، أي تحرر منه. لماذا؟
أجاب فريو بأن تصوير التقاعد على أنه تحرر من العمل هو تصوير العمل على أنه شيء يجب التحرر منه. وأنا أختلف بشدة مع هذه الفكرة. أولًا، العمل ليس مُغَرِّبا بطبيعته؛ بل يصبح كذلك في المجتمع الرأسمالي. العامل، الذي لا يملك أدواته ولا ثمرة عمله، والذي يغيب عنه هدفه ومضمونه، لا يستطيع أن يرى نفسه في ما يُسهم في إنتاجه؛ فيصبح بذلك غريباً عن نفسه، “مُغترباً”. لكن التخلص من هذا الاغتراب لا يعني التخلص من العمل، بل التخلص من الرأسمالية! وأضاف إلى ذلك أنه بمجرد أن نُزيل العمل من ممارسته الإنتاجية المُكرسة لتعظيم رأس المال، يتسع نطاقه. فالعديد من أنشطة المتقاعدين، التي تُنكر إنتاجيتها في ظل الرأسمالية، ضرورية للحياة الاجتماعية، ويمكن اعتبارها إنتاجية بالفعل. إن تعريف المتقاعدين بأنهم مُتحررون من العمل يُحرمنا من البدء بممارساتهم لتغيير مجال العمل. وأخيراً، طالما لم نُحرر العمل من الاغتراب، فلن يُحرر اللاعمل أيضاً.
ثم يتساءل: ما هي “حرية” المتقاعد الذي انقطعت حياته كعامل؟ بأي معنى يكون المتقاعدون “أحرارا” وهم ينشطون في الجمعيات الشعبية، ساعين لإصلاح الضرر الناجم عن نظام إنتاج رأسمالي لا يزال غير مسؤول من منظور أنثروبولوجي وبيئي؟
في السؤال الثاني، قالت المجلة إن الاعتقاد بأن التقاعد راتب وليس بدلا أو تأمينا يعكس موقفا غريبا جدا. هل يمكنك توضيحه؟
جوابا على هذا السؤال، قال فريو: إذا كان هذا موقفا غريبا، فهو مؤسف، لأنه يعكس الواقع. فمنذ عام 1946، استند ثلاثة أرباع نظام التقاعد لدينا على مبدإ استمرار الراتب. ومن بين 340 مليار يورو تُدفع سنويا كمعاشات تقاعدية، أكثر من 250 مليار يورو منها تُحسب دون اعتبار يذكر للاشتراكات، بل بناءً على راتب مرجعي. لماذا؟ لأنه في أعقاب الحرب، أقرّ الوزراء الشيوعيون، ثوريز (الوظيفة العمومية)، وبول (لعمال الكهرباء والغاز)، وكروزا (متقاعدو القطاع الخاص)، المعاش التقاعدي كاستمرار للراتب المرجعي، لا كتأجيل للاشتراكات. أودّ التأكيد على هذه النقطة. وهكذا، تنقطع الصلة بين الراتب والعمل بالنسبة للمتقاعدين، الذين يحق لهم الحصول على راتب حتى وإن لم يكونوا موظفين. يؤثر هذا حاليا على 75% من معاشات التقاعد، أما النسبة المتبقية البالغة 25% فهي في جوهرها نظام المعاشات التكميلية (Agirc Arrco)”، الذي أنشأته الباترونا عام 1947 كنظام مساهمات مؤجلة ردا على الأجور الشيوعية. الدخل المؤجل في ظل النظام الرأسمالي مقابل الراتب المستمر في ظل النظام الشيوعي: هنا يكمن جوهر الإصلاح.
السؤال الثالث: للدفاع عن فكرة المعاش التقاعدي باعتباره راتبا مدى الحياة، تؤكد أن الراتب يجب أن يرتبط بمؤهلات الشخص لا بالعمل. ما المقصود بذلك؟
في جوابه، ذكر الباحث السوسيولوجي أنه ببساطة يصف ما هو قائم بالفعل لثلث الأشخاص فوق سن 18 عاما، وهو أن رواتبهم تعكس مؤهلاتهم. يجب أن يكون هناك أمر واحد واضح: في أذهان الكثيرين، الشيوعية هي يوتوبيا للمستقبل، لا يمكن تحقيقها إلا بعد الاستيلاء على السلطة في الدولة، تلي ذلك مرحلة اشتراكية. مع ذلك، فإن الشيوعية موجودة بالفعل في فرنسا، في بعض قطاعات المجتمع، كعلامات مبكرة تتجاوز منطق الرأسمالية. يُطبَّق جزء من نظام التقاعد بالفعل وفق نموذج شيوعي، والمتقاعدون هم في الواقع أكبر فئة من البالغين الذين يتقاضون رواتب على النمط الشيوعي. كما يُطبَّق هذا المبدأ على موظفي الوظيفة العمونية وموظفي الشركات العمومية مثل شركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية أو شركة الكهرباء والغاز الفرنسية، ومن هنا تأتي الجهود الحثيثة التي تبذلها الطبقة الحاكمة لإلغائها. في إطار شيوعي، يُمنح المستوى الأول من التأهيل (الموافق للحد الأدنى للأجور الذي يدعون إليه، ولنقل 1700 يورو صافي شهريا) للجميع عند بلوغهم سن الثامنة عشرة. مع إمكانية الترقّي عبر مستويات التأهيل حتى سقف راتب 5000 يورو صافي شهريا، ضمن تسلسل هرمي من 1 إلى 3، لأنه يجب وضع حدٍّ لعبثية التسلسل الهرمي الحالي. يمكن لاختبارات التأهيل (النادرة طوال المسار المهني نظرا لمحدودية نطاق الرواتب) أن تعتمد المعايير الحالية لتأهيل الوظائف في القطاع الخاص وتأهيل الأفراد في الوظيفة العمومية.