لمحات من تاريخ الصراع في فلسطين


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7760 - 2023 / 10 / 10 - 09:28
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

لصراع بين الفلسطينيين و اليهود .. طبقا للرواية التوراتية .. قديم .. قدم قيادة يوشع بن نون لليهود بعد 40 سنة توهه في سيناء لتدمير أريحا حول القرن 12 ق. م .. و منذ ذلك الزمن لم يتوقف الصراع .. حتي اليوم الذى يهدد فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بمسح غزة من الوجود . .و يطالب سكانها بترك منازلهم و الهروب .
ربط التاريخ بالجغرافية في منطقتنا ( العراق و الشام و مصر ) .. عملية صعبة و مركبة و تزداد صعوبة عندما يتدخل فيها القص الديني ..علي أساس أنه يحكي وقائع.. حدثت .. يدور حول أغلبها تساؤلات .
علماء التاريخ يقولون أنه في قديم الزمان ( من حوالي 10 الاف سنة ) تتابعت الاقوام في منطقتنا علي سكني المكان الذى يتوفر فيه الطعام و الماء.. وأن النسيج البشرى لشعوب المنطقة قد تغير عدة مرات سواء بالهجرة أوالزواج أو نتيجة الحروب التي قامت بين المزارعين المستقرين و القبائل الجوالة الرحل .
ول ديورانت في كتابه قصة الحضارة يشير إلى أن أصل الشعب الفلسطيني ( بالست ) يعود لما يسموه العلماء (شعوب البحر)، غير معروف تماما من أين جاءت .. و لكنها إعتادت الهجرة إلي شواطيء شرق البحر المتوسط.. هربا من عدو غير معروف في بلادها .
تمت هذه الهجرات على مراحل ولم تجرى في فترة تاريخية واحدة تبعها أن (البالست ) أو (الفلستيون ) استقروا في الجزء الجنوبي من الساحل الفلسطيني ..وأقيمت هنالك خمس ممالك وهي غزة وعسقلان واشدود وجت وعقرون والتي قد يكون بدايه تكوينها مع الحضارة الكنعانية في العصر البرونزي (3200 ق.م – 2000 ق.م).. إلا أن البالست وسعوها وطوروها ونظموها .. و أسسوا أول مدينة في تاريخ الإنسانية وهي مدينة أريحا .
بكلمات أخرى هنالك بعض الدراسات التي تشير إلى أن أسلاف الفلسطينيين القدماء جاءوا من أصول أوروبية وأنهم وفدوا عبر البحر المتوسط في زمن العصرين البرونزي والحديدي . وأنهم من الناحية الجينية قد يماثلون أهل كريت القدماء ... و أنهم إختلطوا بالكنعانيين والعمورين والأراميين سكان المنطقة .. ليكونوا شعبا زراعيا ذو حضارة .
علي جانب أخر.. كانت القبائل اليهودية بدوية الطابع تتكون من اثنتي عشـرة قبيلة تعيش منفصلة تتجول في المنطقة بين مصر و بابل و أرض كنعان ترعي الإبل وتستقر حيث الماء و الكلأ .
قصص اليهود و صراعهم مع الفلسطينين المذكورة في التوراة إستمرت لالاف السنين أشهرها ( شمشون اليهودى .. و دليلة الفلسطينية ) القرن الحادي عشر قبل الميلاد. . و هدم المعبد عليه و علي أعداءة
ثم معركة قاد فيها يوشع بن نون اليهود واقتحموا أريحا وقاموا بتدميرها وإحراقها .. (الباحثة البريطانية كاثرين كينون ذكرت أنه لا يوجد أثر لحرق حدث في أريحا في هذه الفترة)..
كذلك هم يتكلمون عن إتحاد بين القبائل في زمن حكم ( القضاة ) الذى إستمر لقرن ونصف تقريبا، تولي حكم البلاد خلاله اثنا عشر قاضيا،
ثم تلاهم طالوت ومن بعده جاء عهد الملوك وكان منهم الملك داود (1004-962 ق.م) وبعد وفاته حكم الملك سليمان (962- 923 ق.م) الذي بني في عهده الهيكل، وبعد وفاته قسمت المملكة إلى قسمين: مملكة يهوذا وعاصمتها (أورشاليم) ومملكة إسرائيل وعاصمتها (السامرة)
ما حدث لمملكتي اليهود بعد ذلك و الغزو البابلي وهدم الهيكل مرتين ((نبوخذ نصر الثانى بعد حصار القدس سنة 587 قبل الميلاد، ثم جرى بناء الهيكل ثانيا علي نفس الموقع فى 516 ق. م ودمر من قبل الرومان فى 70 م.)) ..
و سبيهم في ( بابل ) ((قام نبوخذ نصر باجلاء اليهود من فلسطين مرتين؛ مرة في عام597 ق. م.،والمرة الثانية في عام 586 ق. م )) ثم جرى إحتلال البلاد بواسطة قوات الفرس و الاسكندر الأكبر و الرومان والعرب و المماليك والأتراك حتي زمن الصراع العربي الصليبي الذى لم يشترك فيه اليهود .
لا يهمنا من هذا التاريخ الممتد لإستعمار البلاد إلا عندما فرضت بريطانيا عليها الإنتداب سنة 1922بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية، في الحرب العالمية الأولى.
ففي الفترة بين عشرينيات وأربعينيات، القرن الماضي تنامى عدد اليهود المهاجرين إلى فلسطين، بتشجيع أو غض طرف البريطانيين ..وكان العديد منهم ممن فروا من الاضطهاد الديني الذي تعرضوا له في أوروبا، باحثين عن وطن..
أدى هذا بطبيعة الحال إلي تنامى العنف المتبادل بين اليهود الوافدين و السكان الاصليين .
خلال و بعد الحرب العالمية الثانية تزايدت الأعداد المهاجرة هربا من ما عرف بالمحرقة (الهولوكوست) فتصاعدت التوترات بين اليهود و الفلسطينين إلي مستوى الحرب .
الفلسطينيون كانوا يرونهم دخلاء علي أرضهم، التي عاش فيها أجدادهم بعد الهجرات العربية و الإحتلال التركي .و اليهود كانوا يسعون لإنشاء وطن قومي يضمهم .
في عام 1947، صوتت الأمم المتحدة على قرار لتقسيم فلسطين إلى دولتين منفصلتين، إحداهما يهودية والثانية فلسطينية ، على أن تصبح القدس مدينة دولية... وقد وافق الزعماء اليهود على هذه الخطة التي رفضها الجانب الفلسطيني ..
في عام 1948 ، غادر البريطانيون المنطقة من دون أن يتمكنوا من حل المشكلة. فأعلن الزعماء اليهود تأسيس دولة إسرائيل.
واعترض الفلسطينيون على ذلك، واندلعت حرب أهلية شاركت فيها قوات من الدول العربية المجاورة .
خلال الحرب نزح مئات الآلاف من الفلسطينيين خارج بلادهم أو أجبروا على ترك منازلهم علي أساس أنهم سيعودون فوق سطح الدبابات العربية ( حرب 48 تستحق مقال منفصل ) لكن ما حدث أنه بعد انتهاء القتال في العام التالي، بهدنة كانت إسرائيل قد إحتلت معظم أراض المنطقة.
والأردن ضمت المساحة التي باتت تعرف باسم (الضفة الغربية) بحدودها ..كما سيطرت مصر على قطاع غزة.. بحاكم عسكرى .
وتقاسمت القدس القوات الإسرائيلية في جانبها الغربي والقوات الأردنية في الجانب الشرقي.
عام 56 .. مع العدوان الثلاثي علي مصر الذى إشتركت فيه إسرائيل .. زاد نزوح يهود الاقطار العربية ( العراق ،مصر ، المغرب ) لإسرائيل . وضم أغلبهم في الكيبوتزات ( المستوطنات العسكرية ) .
عام 1967 حدث تغير جذرى لقد احتلت إسرائيل كامل الأرض الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية والضفة الغربية فضلا عن معظم مرتفعات الجولان السورية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية .
الفلسطينيون وأحفادهم ،الذين نزحوا إلي دول الجوار أمثال الأردن وسوريا ولبنان... لم تسمح إسرائيل لهم أو لأحفادهم بالعودة إلى بيوتهم، علي أساس إن مثل هذه العودة ستؤدي إلى أن يكتسحوا البلاد وتهدد وجودها كدولة يهودية.
و من بقي أصبحوا يعيشون تحت إدارةالقوات الإستعمارية في غزة والضفة الغربية
أعلنت إسرائيل أن القدس بكاملها هي عاصمتها، بينما أصر الفلسطينيون علي إن القدس الشرقية هي عاصمة دولتهم الفلسطينية المستقبلية.
خلال الخمسين سنة الماضية بنت إسرائيل أسوار وكيبوتزات (مستوطنات ) تحدجز الأراضي المحتلة ، حيث يعيش أكثر من 600 ألف يهودي.ويقول عنها الفلسطينيون إنها غير قانونية (بموجب القانون الدولي) و لابد من إزالتها قبل أى عملية سلام.
.. الصراع و تبادل القتل و الإغتيال بين الفلسطينيين و الإسرائيليين لم يتوقف من القرن 12 قبل الميلاد و كان دائما في صالح المهاجمين اليهود .. ولكن في أكتوبر 2023 تغير الموقف فقد تصاعدت الإشتباكات الي مستوى لم تصل إليه من قبل خلال الثلاثة الاف سنة الماضية ..و قاسي الإسرائيليون من خسائر فادحة .. لقد تعلمت المقاومة كيف تستخدم أساليب حروب التحرير غفادت حرب شعبية فلسطينية ضد المحتلين حول غزة لازالت دائرة ..
الموضوع مستمر و يتصاعد لانه يتصل بقضية هوية لم تحدد .. من الذى من حقه التواجدفي هذه الأرض .. من إستقر أجدادهم منذ العصر البرونزى .. أم من جاءوا مع يوشع بن نون .. من عاشوا لالف سنة حياة مستقرة في ظل الحكم الإسلامي و التركي .. أو من هاجروا إلي البلاد مع مدخل القرن الماضي
اليهود الأن هم الطرف الاقوى الذى يمتلك قنابل نووية و قوات نظامية .. و دعم عالمي .. و لكن الفلسطينيون هم السبب فقد تركوا كرة الثلج لتكبر حتي أصبحت مثل الجبال ..
ليس لدى حل أعرضه.. و لست طرفا في الصراع .. و لست ملتزما امام أى من الطرفين .. إنها مشكلة إنسانية لجماعتين متنازعتين علي إمتلاك الأرض .. مثل عشرات المشاكل المشابهه علي ظهر الكون
و لكنني أرى من خلال التجربة أن قيام دولة يهودية معادية بهذه القوة علي حدودنا .. يعني خطورة إستمرار فقد الإرادة .. و تعطيل القدرة علي النمو . .و إهدار للإمكانيات .