مضي قرنين .. هل تعلمنا الهيروغليفية


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7832 - 2023 / 12 / 21 - 07:35
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

لهيروغليفية أو (( اللغة المقدسة )) كانت حكرا علي كتابات الكهنة لأداء طقوس العبادة و الدفن .. و كان المصريون غير قادرين علي قراءة المكتوب علي جدران المعايد و المقابر ..و ورق البردى .. إلا إذا كانوا من المتخصصين (الكهنة ) .. لغة الناس قراءة و حديث كانت مشتقة منها و تسمي الديموطقية أو (( الشعبية )) .
لالف عام إستعمار فارسي بطلسي روماني .. ( 525 ق .م حتي 600 ميلادى ) توارت اللغة المقدسة و حل محلها اليونانية .. و تحولت الديموطيقية إلي لغة منطوقة ( غير مدونة ) بين أفراد الشعب .. مخلوطة بمفردات فارسية ويونانية .
عندما حكم العرب مصر .. كانت اللغتين مجهولتين .. لدى الناس و الحكام و حتي رجال الدين المسيحي . لذلك نجد دهشة.. من لغة العصافير هذه .. في كل كتابات التاريخ العربي ( الحوليات ) التي تركوها لنا .
امضيت أربع سنوات اٌقرأ و(الخص) موسوعة ((بدائع الزهور في وقائع الدهور))لابن إياس دونت حوالي القرن الخامس عشرميلادى.. اصدارالهيئة المصرية للكتاب 1982 ..في ستة أجزاء حوالي 3400 صفحة .
و ((مروج الذهب و معادن الجوهر في التاريخ )) للمسعودى ..و ((فتوح مصر و أخبارها)) لإبن عبد الحكم .. فضلا عن كتب الشيخ أحمد الرمال (( أخرة المماليك )) و الجبرتي ((عجائب الآثار في التراجم والأخبار))... و غيرها من المتاح باللغة العربية . .. ثم ضمنت هذا في نص كتب عنه الاستاذ انيس منصور في عموده مواقف
((أرجوك أن تقرأ هذا الكتاب‏.‏ إنه ممتع وموجع للقلب حزنا علي ما أصاب الشعب المصري من الحكام العرب من الشرق والفاطميين من الغرب‏,‏ والأكراد من الشمال‏,‏ والعبيد المماليك‏.‏))
النص عنوانه ‏(‏قراءة حديثة في كتاب قديم‏)‏ صدر في اول يناير 2009 من منشورات دار مدبولي
إ‘فتتاحيات كتب إبن إياس و المسعودى و إبن عبد الحكم .. لم اضمها للملخص ..فقد احتوت (عكا) تاريخيا عن الحضارة المصرية القديمة يثير الدهشة و الضحك لقارئ القرن الحادى والعشرين.
من كتاب إبن إياس
(( لما غرق فرعون وقومه صارت مصر ليس بها أحد من أشراف أهلها سوى العبيد والاجراء فكانت أعيان النساء من القبط تعتق عبدها وتتزوج منه أو تتزوج بأجيرها وكن يشترطن بأن لا يفعلوا شيئا الا بأذنهن))...
(( ثم أن النساء أجمعن رأيهن علي أن يولين امرأة يقال لها( دلوكة ابنة ريا) وكانت ذات عقل ومعرفة وكان لها من العمر نحو مائة سنة فملكوها عليهم فبنت علي أرض مصر حائطا من أسوان الي العريش وحاشت بها قرى مصر وضياعها وجعلت علي تلك الحوائط أجراسا من النحاس فإذا أتاهم من يخافونه حرك الاجراس الموكلون بها من كل جانب فيسمعها من بالمدينة فيستعدون لذلك، ))
في(( فتوح مصر واخبارها)) أكمل ابن عبد الحكم القصة
(( لما ملكت دلوكة مصر أرسلت خلف امرأة ساحرة من أنصنا يقال لها (تدوره) فقالت لها إنا قد احتجنا الي شيء من سحرك يمنع عنا من يقصد بلادنا بسوء .. فعملت تلك المرأة بربا من حجر الصوان (معبد) في وسط مدينة منف وجعلت لها أربعة أبواب الي الجهات الاربعة ونقشت علي كل باب منها صور الرجال والخيل والابل والحمير والسفن وقالت لدلوكة قد عملت لكم عملا تهلكون به من اراد لكم سوء من بر أو بحر فكان إذا قصد اليهم أحد من سوء وعجزوا عن قتاله دخلوا الي تلك الصور وقطعوا الرؤوس أو فقئوا العيون فمهما فعلوا في تلك الصور التي في البربا فيؤثر في معسكر العدو فامتنعت عنهم الملوك لأجل ذلك، فأقامت دلوكة علي ملك مصر نحو مائة وثلاثين سنة (أستمرت ملكة و عمرها 230 سنة)، ولم تزل مصر ممتنعة من العدو ستمائة سنة بما دبرته دلوكة من سحر عظيم، لما خربت البربا طمع فيها العدو وزحف بخت نصر البابلي علي البلاد فقتل صاحب مصر وسبي أهل مصر وأخرب ما كان في مصر من برابي والحكم التي كان بها طلسمات ونهب الاموال فأقامت مصر بعد ذلك أربعين سنة خرابا ليس بها ساكن ولا متحرك فكان النيل اذا زاد يفرش الارض ثم يهبط ولا يستنفع به ولم تزل مصر بعد ذلك مقهورة من العدو)).
و لا اريد أن أثقل عليكم بما كتبوه عن إسلوب خلق البشر و سيرة أدم و حواء ..و(ذكر من ملك الديار في أول الزمان ) من الفراعنة الذين عاصروا أنبياء بني إسرائيل .. و أصل كل منهم أو السحر الذى إستخدمه .. قلقد ذكرت هذا بالتفصيل في كتابي (( طلسمات مصرية )) .. صدر قي يناير 2004
علي عكس هذه الحواديت غير المنطقية نجد وول ديورانت في كتابه قصة الحضارة المجلد الاول الفصل الثاني (( كشف مصر )).. قدم الوجه الأخر من العملة
((إن الكشف عن تاريخ مصر لهو أروع فصل في كتاب علم الاثار ، لقد كان كل ما تعرفه العصور الوسطي عنها أنها مستعمرة رومانية و وطن من أوطان المسيحية .. و كان الناس في زمن النهضة يظنون أن الحضارة قد بدأت من بلاد اليونان و حتي عصر الاستنارة لم يكن يعرف من مصر أبعد من الاهرامات .
علم الاثار المصرية جاء كنتيجة ثانوية من نتائج حروب نابليون الاستعمارية فقد شملت هذه الحملة بعض العلماء الذين كانوا يهتمون بمصر إهتماما يظنه الناس سخفا في تلك الايام . و يسعون لفهم التاريخ فهما أوفي و أفضل مما يفهمة المؤرخون و قتئذ و كانت هذه العصبة من الرجال هي التي كشفت للعالم الحديث عن هياكل الاقصر و الكرنك كما جاء بكتاب (( وصف مصر )) الذى أعده المجمع العلمي الفرنسي وكان أول خطوة خطاها العلماء في دراسة هذه الحضارة المنسية ))
((علي أن هؤلاء العلماء ظلوا سنين طويلة عاجزين عن قراءة النقوش البادية علي الاثار المصرية و ليس ما بذلة شامبليون أحد العلماء من جد وصبر علي حل رموز الكتابة الهيروغليفية إلا شاهدا من شواهد كثيرةعلي الروح العلمي الذى إمتاز به علماء هذه الحملة))
((عثر شامبليون علي مسلة مغطاه بهذه الرموز المقدسة مكتوبة باللغة المصرية ولكن في أسفلها نقوش باللغة اليونانية عرف منها أن هذه الكتابة لها صلة ببطليموس و كليوبترا و خطر له أن إحدى العبارات الهيروغليفية الكثيرة التكرار والتي يحيط بها إطار ملكي (خرطوش ) هي إسم الملك و الملكة فهدته هذه الفكرة عام 1822 إلي تمييز أحد عشر حرفا من الحروف المصرية ولكن هذا كان مجرد حدس و ليس يقينا )).
((قدم هذا الكشف أول دليل علي أن مصر كان لها حروف هجائية .. ثم أن شامبليون بعد ذلك طبق هذه الحروف علي رموز وجدها علي حجر إسود عثر عليه الجنود قرب رشيد و كان عليه نقوش كتبت بثلاث لغات أولها الهيروغليفية وثانيها الديموطيقية (الكتابة المصرية الدارجة ) والثالث هي اليونانية و إستطاع شامبليون بفضل علمة باليونانية و بالاحد عشر حرفا التي عرفها من المسلة الاولي و بعد جهد متواصل إستغرق أكثر من عشرين عاما أن يحل رموز هذا النقش و أن يتعرف علي الحروف الهجائية المصرية بأجمعها )).
و مر قرنين .. كم من المصريين يعرف معني هذه النقوش أو يستطيع قراءة الهيروغليفية و الديموطيقية أو القبطية المشتقة منها .. .و كم منهم يردد حواديت الملكة دلوكة .. و برابيها ..و ما ذكر في كتب الاقدمين .