قرن مضي دون تحقق


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7887 - 2024 / 2 / 14 - 10:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ما هي العوامل التي أدت لفشل اليسارالماركسي في أن يحقق تغييرات أساسية بمنطقتنا .. موضوع يشغل فكرى من فترة طويلة .. فهم الأكثر علما ..بدأ بسلامة موسي ..و حتي فؤاد مرسي و محمود أمين العالم . .. و هم الذين يملكون منهجا فلسفيا يجعلهم يقرأون تختة الرمل بصورة جيدة ..و يتوقعون الحلول و العثرات مبكرا ..وهم الأكثر إلتصاقا بهموم الناس و مساعدتهم ..و إرشادهم لطرق الخلاص ..و في نفس الوقت متاح لهم دراسة تجارب سابقة حدثت في روسيا و الصين و كوبا وغيرها من الدولة الإشتراكية ..والحصول علي دعمها .
قد يقول البعض أن البعث أو الإشتراكية الناصرية حكمت لفترات..
و لكنها لم تكن يسارا بقدر ما كانت أقرب لرأسمالية الدولة الفاشيستية ..حتي أنها إستخدمت العنف و الإرهاب ضد كل من يدعون للإشتراكية العلمية .و لم يتصالح المضطهدون مع من عذبوهم و يذوبوا في تنظيماتهم إلا بعدما صرح خورشيتشوف أن البعث و الناصرية نظم وطنية من الواجب دعمها .
في نفس الوقت علينا أن نتساءل لماذا نجح المليارديرات في إحداث ركود للبيئة السياسية بحيث يتفرد صوتهم ..رغم أتهم يورطون أهل مصر في الديون ويسهلون تبعيةإقتصادهم لصندوق النقد.. وهو أمر يخلق معاناة ليست بالبسيطة للناس..
بينما فشل اليسار في أن يطرح وجهة نظرة بينهم وينظمهم و يكتسب تعاطفهم و تأييدهم .
هل لازال يوجد يسار في بلدنا أو حتي في المنطقة حولنا . . بعد أن قام جورباتشوف بإنقلابه الفكرى و التنظيمي وقدم البريسترويكا التي أدت لتفكيك الإتحاد السوفيتي ..و تدمير و تشتيت تنظيمات اليسار الماركسي
لقد كان هناك أحزاب شيوعية قوية في فترة ما بالعراق و السودان و مصر قبل أن يغدر بهم البعث..ويطاردهم عبد الناصر..و يذبحهم النميرى.... ثم يعجزهم خورشتشيف و جورباتشوف دون قيام لنصف قرن تال تنمحي خلاله من الذاكرة كل ما يتصل بكفاحهم ونضالهم .. وتنعدم قدرتهم علي الفعل وأداء دور أو تأدية مهام
الإستمرار في مناقشة هذا الموضوع يقابلها عقبتان .. احدهما هي نقص المعلومات و البيانات المزمن الذى نعاني منه .. خصوصا فيما يتصل بنشاط كان أغلبه يتم في سرية و تكتم ...والكتابات المتوفرة عن اليسار في وسائل الإعلام أو التواصل .. هو ما يدونه الخصوم المنتصرون .. فيأتي مصنعا و مشوشا و غير دقيقا ..
أنا لا أعرف فعلا ما إذا كان في بلدنا لازال يوجد من يؤمنون بالمادية الجدلية وقوانينها الإشتراكية .. والصراع الطبقي ..و البيان الشيوعي و يناضلون لتحقيقها .. أم لا
بكلمات أخرى ..أكثر تحديدا ..نقص المراجع و تدوينات اليسار.. تجعل الرؤية المجملة أوالتقديرية أو الانطباعية.. هي المنهج المتاح.. رغم عجزه عن معالجة التفاصيل و إثبات صحة الحقائق.
العقبة الثانية ان تعبير يسار تعبيرا واسعا ( في مصر) و غير محدد هوامشة او حدودة و قد يضم الذين تصوروا أن التعاطف مع المضارين في حرب غزة ..يسارا .. أو أن الذين يخلطون بين الطوباوية و البرجماتية و الإحسان علي الفقراء و المحتاجين يسارا ..
أو أن ذلك الكيان الذى كونه خالد الذكر السادات كدمية يتلاعب بها (حزب التجمع ) .. وحركة (كفاية )المرتبط نشاطها بتوجيهات رجال الأمن و (الحزب الإشتراكي المصرى) .تمثل اليسار .
و في الحق لقد وضع المناوئون لليسار الغاما كثيرة في مسارهم
فالنقابات العمالية و الاتحادات الجماهيرية التي كان من المفترض أن يعمل من خلالها كوادر اليسار ..تم اتلافها و تدجينها و تحويلها الي مؤسسات ذيلية للدولة لا يشارك في نشاطها او الانضمام لها الا من ترشحة او ترضي عنة او تساندة اجهزة الامن ،و الرقابة الادارية فجاءت قياداتهم عمال ذوى ياقات بيضاء تسعي في سبيل تحقيق امتيازات خاصة توسع علي نفسها بكل طرق جلب المال ..
هذة القيادات كان من المستحيل ان تساند هبة شعبية كالتي حدثت في 2011 بل كان هدفها المشاركة لاخمادها في مهدها عندما بدأت المطالبات الفئوية و الاضرابات العمالية .
قيادة النقابات العمالية في اغلبها أصبحت للسلفيين و الناس الطيبين الذين يطلقون اللحي ويرتدون الجلباب و الصندال و يمسكون بالسبحة .. و لم يكن لليسار (غير المتواجد في اماكن الانتاج ) أى دور .
قد اكون مخطئا في حالة اواثنين و لكن الوضع الغالب هو غياب اليسار بين العمال .
نفس الموضوع تكرر مع النقابات الفئوية كالمهندسين و الاطباء و الصحفيين و المحاميين لقد احتلتها كل العناصر و الفئات عدا اليسار فقد كانت الدولة حريصة علي ابعادة و تمشيط النقابات منه ..ليستولي عليها الاخوان و السلفيين بالتحالف مع المستفيدين من ادارة اصولها و اموالها و مشاريعها المنهوبه .
الاتحادات الطلابية و النسوية تحولت إلي مؤسسات حكومية غير قادرة و غيرفاعلة منذ أن اوقف عبد الناصر نشاط إتحاد هدى شعراوى .. و إستبدله باخر يتحرك بتعليمات الإتحاد الإشتراكي ...
بمعني ان الاماكن الجماهيرية التي كان بإستطاعة اليسار جعلها مسرحا لنشاطه إحتلتها أما عناصر من الأمن أو الإسلام السياسي.. تسيرها كما تريد.
حقل الغام أخر واجه اليساريون .. هو لقمة العيش و التكسب .
فاجهزة الامن والرقابة كان بإستطاعتها فرض سيطرتها علي أغلب الناشطين .. بإستخدام المنح و المنع للقمة العيش.. بحيث يصبح الكونترول الأساسي الذى إستخدمه عبد الناصر لترويض معارضية (الفصل من الوظيفة و التضييق في الأعمال الحرة ) فعال حتي تهاجر و تترك له الجمل بما حمل..او تستسلم و تصبح أحد أتباعه .
مع الانفتاح الاقتصادى كانت مكافأة الولاء هي السماح بالتوكيلات للماركات العالمية و اذون الاستيراد فتكونت طبقة من الراسمالية الطفيلية .. التي فلترت من ينضم لها بحيث لا يحمل فكرا راديكاليا اواشتراكيا حتي لو كان في ابسط صورة ..
عناصر من اليسار الحكومي خلعت جلدها و انضمت للهوجة و أصبحوا رجال أعمال يشار لهم بالبنان مدجنين و ملتزمين بقوانين سوق الانفتاح
و النتيجة أصبح الصابر من اليساريين على عقيدته كالقابض علي الجمر بيده
تبدى هذا في أخر إختبارات اليسار عندما إتضم إلي إحتجاجات 2011 و ظهر نكوصه وقلة حيلته واضحا .. و محزنا .
في البداية ولان من قاد التظاهر كانوا مجموعة من شباب المثقفين كان بقدرة اليسار التأثير علي خطابهم فجاءت الشعارات المطروحة في الميدان تتصل بالهم الاجتماعي و الاقتصادى و السياسي ..
و لكن مع إستمرار التظاهرات خفتت هذه الشعارات وتبلورت حول مطلب وحيد هو ازاحة الطاغية و نظامة ..
عندما لاح ان المعارك التي خاضها الشباب في طريقها الي التحقق قفز الاسلامجية للصورة منحين القوى الديموقراطية و الليبرالية..الذين لم يعارضوهم كثيرا و إختفوا ليصبح الشعار المطروح اسلامية اسلامية ، ثم مع سماح الجيش تم غزو مصر بتيارات السلفيين لتاخذ الهبة مسارا اخر ..
هذا ما يحدث دائما عندما تتحالف قوى اليسار مع التيارات الدينية و المثل الأوضح في إيران الخوميني ..لقد فقدت شعاراتها و نغمتها و إنفض الشارع من حولها .
التحالفات مع الاخوان و التساهل مع الخطاب الناعم كان اكبر اخطاء القيادة التي خرجت للشارع وادى لان يفقد اليسار قوته و الأرض التي كسبها .
.
يطرح هذا الفشل المتتالي علينا سؤالا كيف إستطاع كاسترو أو هوشي و من قبلهما ماوتسي تونج .. و لينين من إدارة الصراع في وسط غير مواتي شبيه .
و الإجابة قد تستغرق مجلدات .. و لكن لم يحدث هذا بقطع الرأس و إعتباره إنتصارا ينهي الثورة ..و إنما بتغيير النظام الذى سيظل قائما من خلال الة ادارة البلاد تلك الماكينة العطبة التي انتجتها اجهزة امن تتعمد الاختيارللقيادة مشبوهين لديهم نقط ضعف بحيث يمكنها السيطرة عليهم
كبار الموظفين من مديرعام فما فوق لابد ان ترضي عنه اجهزة الامن المتغلغلة في كل ركن و زاوية من المجتمع .بالاضافة الي جهازين يسيطر عليهما رجال الشرطة وهما الرقابة الادارية و امن الدولة ..اجهزة رادعة لاى فكر او ابتكار او خروج عن المسار ...
هذة الاجهزة ستكون سليمة عند الثورة حتي لو تغير فرد أو فردين في القمة ..و علي ذلك ستعمل يوميا في إعادة الشيء لأصله و لن تسمح لغير صنائعها بالتواجد في مكان اتخاذ القرار بحيث لا يصل الي هذا المكان اى معارض خصوصا اليسار الذى كتب علية بذلك ان يقوم بدور المعارض الكاشف للفساد عن طريق الفضح و التنوير واظهار العيوب امام الراى العام .
المشكلة هي الادوات .. الجريدة و المجلة و التلفزيون وسائل مسيطر عليها بواسطة اجهزة ادارة الدولة و لن تسمح الا بقدر محدود من النقد الموجه في اتجاهات تخدم تغيرات الريح .
و بالتالي لا يبق إلا الإسلوب التقليدى أى العمل اليومي بين الناس من خلال حزب له قواعد شعبية و توجهات تعبر عنهم .تقوم بالفضح والتعرية للتفاصيل المخجلة .
تحدث تراكمات كميه بطيئة تؤدى في النهاية الي تغيير حتي لو كان صغيرا و(( رب شرارة صغيرة تشعل السهل كلة)) .كما قال لينين .
في نهاية الحديث .. أنا لا أدعو اليسار لإعادة تقييمة لتجربة طويلة بدأت من عشرينيات القرن الماضي .. و لم تصل بهم لكراسي الحكم ..و لكن .. أتصور أن حياة سياسية تفتقد لحكمة اليساريين .. هي حياة ناقصة و عاجزة