حولوها لحرب ضد المسلمين


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7776 - 2023 / 10 / 26 - 07:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

الصديق مصطفي الطناني كتب لي ((عاوزين نحلل موقف الغرب المنحاز لاسرائيل حتى التواطىء وهو يشهد العقاب الجماعى لاهل غزة.. ولم يطلب معظمهم وقف اطلاق النار )) .
وفي الحقيقة مندهش من هذا السؤال .. فمصطفي يعيش بينهم و هو يعرف أن ما يحدث (لمسلمي) غزة لم يكن البداية ..لقد تكرر العدوان من قبل عدة مرات حاولوا فيها إبادة فصيل من المسلمين .. سواء بالنسبة للفلسطينين مع كل إنتفاضة أو ما جرى في أفغانستان ، ميانمار ، الهند ، الصين ، البوسنة و الهرسك ((ارتكبت القوات الصربية إبادة جماعية. استهدفوا بها 40 ألف مسلم بوسني يعيشون في سريبرينيتشا بغرض القضاء عليهم))
و يعرف أن منظمات مثل (القاعدة و طلبان و حماس و الجهاد وكتائب شهداء الاقصي و داعش و حزب الله ) .. مسجلة في بلاد الواق الواق علي أساس أنها منظمات إسلامية إرهابية مسلحة .. يجب الحذر منها ..و محاصرتها .
ويرون أنها ( أى هذه المنظمات ) المعبر الحقيقي عن روح الإسلام و توجهاته و قواعده .. و بذلك فالمسلم غير المنضم لمثل هذه التنظيمات هو بالنسبة لهم إرهابي نائم و لغم مؤقت قابل للإنفجار في أى لحظة .
يترتب علي هذه النظرة العنصرية أن أرواح المسلمين المغتالة في أى مكان ..مهما زادت تعتبر تخفيضا لإحتمالات نمو إرهابي ولا تحتسب لبشر يجرى التعاطف مع مصائبهم .. مثلما تحتسب ارواح ( غير مسلمة ) أزهقها الجهاديون .
و ناس بلاد الواق الواق يروننا همجا ..، متخلفين .. ، مضرين .. و معوقين للتقدم الحضارى ..يدللون علي ذلك بأن الاسلام السياسي المعاصر ( داعش و طلبان و بوكو حرام و حماس ) عندما تمكن من أفغانستان ، غزة ، الصومال ، سوريا ، العراق و السودان أعادها الي القرون الوسطي و نشر الرعب بين السكان و دمر الاثار و التراث بواسطة مليشيات مسلحة تنفذ تعليمات( أغلبها) يحتقرالنساء ويستعبدهن و يضطهد المخالفين دينيا .. و ينفذون عقابا بدنيا علي المدانين بما في ذلك قطع الرقاب أو أجزاء من الجسد .
فاتحة القرن الحالي( 11 سبتمبر 2001 ) ..كانت إشارة البدء للصراع عندما هوجمت الولايات المتحدة بالطائرات المدنية ..و تكبدت خسائر جمة في الأرواح و المنشئات ((تقول نيوزويك إن مهمة الإرهابيين التي تم التخطيط لها من قبل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، لا تزال تعتبر الهجوم الإرهابى الأكثر دموية ))... ومنذ ذلك الزمن لا تأمن أمريكا و الغرب لأى تحرك مسلح يقوم به المسلمون حتي لو كان مظاهره .
فإذا رفضنا هذا المنطق سيكون السؤال التالي .. إذا كانت طلبان و القاعدة لا تعبر عن الإسلام فمن الذى يعبر ..(مسلمي أوروبا أم باكستان ، السعودية ، إيران و مصر) ..و كلها لها تاريخ طويل في أعمال إرهابية و تفريخ عناصر من الإرهابيين
في الحقيقة شعوبنا مظلومة في هذا الحكم ..فلا يمكن أن يكون إثنين مليار مسلم إرهابي..أما هذه التصرفات التي يدينوننا بها فقد نشرتها حول العالم تعاليم الوهابية في نهاية القرن الماضي بإستخدام الدولارات البترولية..و منها بلادنا .
بكلمات أخرى .. الرؤية الأوروبية الأمريكية .. للصراع الفلسطيني الإسرائيلي .. تحول بقدرة قادر إلي مكافحة الأرهاب الإسلامي و الحد من خطورته ..ولم تعد إسرائيل تبيد فلسطينين بقدر ما تقضي علي أرهابيين .
في نهاية خمسنيات القرن الماضي كنت قد إقتربت من السادسة عشر عندما حضرت حفل زفاف جارتنا .. كانوا يعزفون ويرقصون في صالة المنزل بنات زى القمرات ليس بينهن من تغطي شعر رأسها إلا جدة العروس .. والكبار يتحدثون في السياسة و الاقتصاد في الحجرة الرئيسية .. و الشباب يتناقشون في حجرة أخرى بصوت عال.
كان احدهم ( اصبح بعد ذلك شاعرا و رساما يشار له بالبنان ) ينكر وجود الله و آخر اخوانجي يعارضه و يسوق الادلة و البراهين و الاخرون يستمعون لهما بصبر و شغف دون استنكار لموقف الشاعر الملحد او تأيدا للاخواني المسلم .. حرية في النقاش لم أشهدها بعد ذلك تدور في العلن .
كنت اميل بحكم تربيتي لوجود اله .. واله مسلم يقينا .. وكان لدى منطقي و لكنني لم اشترك في الحوار خشية أن اقول كلاما غير موثق فيسخرون مني .
بعد الحفل اتخذت القرار، فقد سرت علي درب التعلم الصعب .. أريد ان اتحقق بنفسي ان اله الكون مسلما .
سألته كيف أتعرف على الاسلام ( الصحيح ) فلقد كنت أحمل بعض التحفظات علي سلوكيات رجال الدين بعد أن قرأت جزئي رواية (الأيام ) لطه حسين ..
وكان رد شيخ مشايخ الطرق الصوفية أن الاسلام دين الفطرة(( أقم الفروض وتحصن بكتاب الله ..و توكل عليه ليوجهك إلي السداد)).
كنت أستيقظ قبل آذان الفجر أسير حتى جامع الحسين أستمع الى التواشيح والتراتيل والأدعية وسور من القرآن يتلوها إمام الجامع ومؤذنه الذى كان صوته من أعذب الأصوات وأكثرها رقة وجمالا... (لا أعرف أين ذهبت مثل هذه الأصوات ).
فتشف روحى ونفسى وتتوحد مع سحر برودة نسمات الفجر وشقشقة الأضواء .. ولكن كان يزعج الشاب الصغير أن معان كثيرة مما رتله الامام قد استغلقت على فهمه.
أبى بعد أن كررت سؤاله عن معانى الكلمات ، زودنى بمصحف مفسر على هوامشه شروح ، كان لأبى مكتبة تضم كتبا عديدة مغلفة بعناية بأسلوب واحد ومكتوب على كعبها بالذهب إسم جدى بجوار اسم المؤلف سواء كان الطبرى أو البخارى ، كم هائل من الكتب الأنيقة جنبا الى جنب مع كتب دينية أخرى رصت بعناية أقل تحمل أسماء الغزالى و شلتوت.و غيرهما من رجال الدين .
المصحف ذو الهوامش لم يكن ذو فائدة كبيرة فى التفسير، بل لقد أصبحت الصعوبة صعوبتين، لقد كانت لغته غير مطروقة والشروح تمتلئ بأسماء وأماكن وأحداث لا أعرفها وكانت كثيرة العنعنة بحيث يصعب التعرف على المصدر الذى يرجع اليه..لقد كتبت لغيرنا ..و لزمن مختلف .
والدى نصحنى بعد ذلك أن أرجع لكتب أسباب النزول عندما شكوت له ضعف قدرتى على فهم الشروح .
مدرس العربى ثار عندما سألته عن أسباب نزول أية ، كان يقول أن القرآن أزلى وانه مكتوب منذ البداية فى اللوح المحفوظ ، وأن أسباب النزول تجعله صدى لأحداث دنيوية ، فى حين أن الأقدار كانت مقررة قبل النص.. و جهة نظر مضادة تماما لما إقترحه الوالد .
زميلي الذى شاهد ثورة الاستاذ سألني عن مذهبي وقال انة يتبع المذهب (الحنفي) ثم فشل في شرح الفرق بين مذهبة و المذاهب الاخرى .. ومع ذلك دعاني لان اتبع ( الحنيفية ).
لم تعجبني دعوتة ولهذا قررت ان ادرس ثم احدد الي اي مذهب سوف انتمي ..كانت مكتبة المدرسة ذاخرة بالكتب التي تصف و تؤول و تقدم شروح للمذاهب الاربعة المالكية ، الحنيفية ، الشافعية ، والحنبلية
اغلب المصريون .. لعهد قريب ..كانوا شافعيي الهوى معتدلين وكان الامام الشافعي لة معزة خاصة لديهم لوسطيتة و يسرة في شرح و تفسير العقيدة و لقدعرفوه بعد ان محي صلاح الدين حكم الشيعة الفاطمية الذى اتبعة المصريون لمئات السنين .. فتمسكوا به حتي حل محله إبن تيمية دليل الوهابية .
عندما حاولت ان اعرف الفرق بين الشيعة والسنة ..تهت ..فالشيعة عشرات المذاهب بالاضافة الي الاشاعرة و المعتزلة و الصوفية و الدروز و الاسماعيلية و البهائية كنت اقرأ بإهتمام ومع ذلك لم افهم
لقد كان الامر يحتاج للتفرغ .. حقا لقد استمتعت باشعار ابن الفارض و بشطحات ابن العربي و بافكار ابن رشد ( الذى كان الاقرب للفهم ) و لكنني في النهاية لم استقر علي مذهب .
القرآن لغتة تحتاج لشرح وتفسير ، والتفسير عمل دنيوى يقوم بة بشر قابل للصواب و الخطأ ،و للوصول الي ما يقبلة العقل لا القلب لابد من قراءة عشرات التفسيرات و الاف الصفحات بلغة غير مطروقة و شروح تحتاج لشروح ،وهو امر غير وارد او متوفر لمعظم المسلمين حتي للمتخصصين في الدراسات الأزهرية .
الاحاديث و السنة النبوية الشريفة بالاعداد الموجودة في كتب جدى يستحيل استيعابها او التعرف عليها او الاقتداء بها لقد كانت تعد بالاف قد تصل الي 35 الف حديث موثق
وكان البعض غير مقتنع بصحتها او صحة عدد منها و يقال انة قد تم تأليفها في ازمنة لاحقة لإنتشار الأسلام لتخدم قضايا الحكام ..أو هكذا قال لي الشيخ الاشتراكي ونصحني بدراسة الامام علي و الامام ابو ذر الغفارى .. لقد كانا مقررين علينا في الزمن الاشتراكي الناصرى الذى كان من الممكن ان تسمع فيه شيوعي يتلو ايات من الذكر الحكيم تؤيد قول لينين او ستالين او لتجعل من الميثاق وثيقة اسلامية .
رحلة المسلم بين كتب التراث رحلة قد تستغرق العمر كلة دون أن يكملها .. فقد مرت مئات السنين طمست ما طمست و ابرزت ما ابرزت ..طمر و اظهار لجوانب عديدة من الدين الذى قدمة للدنيا الرسول صلعم منذ 1400 سنة كاسلام ..
وأصبح اليوم هناك مئات القراءات التي تخدم وجهات نظر او مصالح او احتياجات معينة وكل منها تدعي انها الاسلام الصحيح.
المسلم العادى لا يمر بهذه الرحلة إنه يتبع في صغره ما تعلمة في الأسرة و المدرسة و المجتمع ..ثم عندما ينضج يختار لنفسه شيخا و يصدقة .. فإذا كان الشيخ سلفي وهابي مصنوع في السعودية .. بث إسلوبه بينهم .. وقد يدفعه دفعا للجهاد .
لذلك أصبحت الأغلبية في بلادنا أقرب للحنبلية و أتباع إبن تيمية ..ترى أن الإسلام هو ما جاء عن السلف الصالح ..يرشده إليه شيخه .. يبلغه ما يريده و يخفي ما يريد ..و لا جدال .
إذا كانت هذه الدايلاما تصاحب فهم المسلم لدينه .. فما الذى يحدث للأوروبي و الأمريكي و أبناء بلاد الواق الواق ..من المخالفين دينيا ..و الذين يجهلون لغة القرأن
إن ما يعرفونه عن الإسلام .. هوسلوك المسلمين و ما كان يفعله الأتراك في زمن غابر ..و (القاعدة .. و طالبان .. و باقي الشيع الجهادية ).. أو ما يفعله المسلمون في المهجر ..
ثم ما جرى من المسلمين عندما حكموا أجزاء من سوريا و العراق و أفغانستان و الصومال و السودان ..
المسلم لديهم وهذا يشمل رجال حماس و القاعدة .. دينه يحضه علي الجهاد ..لذلك يحذرون من مسلمي أوطانهم و المهاجرين لهم .. و يدينون سلوكنا كمسلمين و لا يهتمون كم منا كان ضحية الصواريخ الأوروبية و الأمريكية الصنع .
خطاب الدين الإسلامي .. إذا كنا نريد أن نتوجه به لغير المسلم .. يحتاج لربطه بالفلسفة و المنطق .. ليظهر الجانب العقلاني ، المسالم و الإنساني لمعتنقيه .. وليصبح غير غامض و متناسب مع لغة العصر .
في هذه الحالة يا أستاذ مصطفي ..عندما يعتبروننا بشر.ا. سيتم إدانة هذا العقاب الجماعى غير الإنساني لاهل غزة..أو لغيرها من مسلمي الهند أو الصين أو التبت ... كيف يحدث هذا .. قضية أخرى لا أعرف عنها الكثير .
يبق سؤال .. و حتي يغير المسلمون خطابهم و يجعلونه معاصرا مسالما .. ماذا سيحدث ..سيظل ((موقف الغرب منحازا لاسرائيل حتى درجة التواطىء)) .