الأسباب و الحلول للمسألة المصرية


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7893 - 2024 / 2 / 20 - 07:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لو أن السادة المسئولين ناقشوا الناس في السياسة الإقتصادية التي طبقوها خلال السنوات العشر الماضية لما وجدوا قبولا منهم يماثل ذلك الذى شاهدناه في 26 يوليو 2013 عندما قيل لهم أن القوات المسلحة تريد تفويضا لمحاربة الإرهاب .
لقد كانوا يعرفون مسبقا أن زيادة محدودة لسعر الخبز أيام السادات تسببت في إنتفاضة كان من الصعب محاصرتها ...و بالتالي مستحيل مصارحة الناس بالحقيقة ..ومناقشتهم في تنفيذ متطلبات صندوق النقد و من يحركونه.. خصوصا أن هذا الأمر فشل في تنفيذة علي مدى نصف قرن كل من السادات و مبارك ..و جمال مبارك ..و مرسي

لذلك جرى تنفيذ الخطة في الكتمان بعيدا عن الناس .. وعلي مهل و خطوة خطوة..حتي وجدنا الدولار يساوى خمسين جنية في سوق موازية.
تنفيذ تعليمات صندوق النقد .. كانت في الغالب تمثل القاعدة والأساس لقبول إزاحة الإخوان المسلمين من كراسي الحكم .. و إحلال حضرات اللواءات محلهم .. بحيث أصبح يشكل لدى الحكام الجدد هدف تواجد من المفترض تحقيقة مهما كانت الخسائر جعل أمريكا و توابعها في المنطقة يتحولون من دعم مرسي و ناسة .
قبل البدء في تنفيذ السياسة الجديدة كان لابد من ضمان وقف مقاومة الناس.و جعلهم غير قادرين علي التعبير أوالإحتجاج أو العمل معا لإفشال المخطط . .
و كان إستخدام الخوف من الإسلام الراديكالي .. و التجهيل ( عدم الشفافية ) وسائل مناسبة لتحويل الناس إلي وضع الإستكانة ..لا يرددون إلا ما يريده منهم الحاكم.. و يرفضون سماع وجهات النظر المخالفة و يعتبرونها دون فحص .. خيانة .. و ضعف في القيم الوطنية..و إيذانا بعودة الإخوان .
إستئناس الشعوب أصبح اليوم علما يستخدم دراسات يقوم بها المتخصصون في العلوم الإجتماعية و النفسية ..و السلوكية ..و الفسيولوجية ... له تجارب معملية و حقلية ..تبدأ بالحيوان و تنتهي بالبشر تسمح بتطوير إحكام قبضة المنتصر علي من يسوس و التي تزداد قوتها كلما تقدم الزمن.
هذا العلم يسمونه الجيل الرابع من الحروب .. ((أسلحة معنوية بالغة الشراسة باستخدام كل أدوات ووسائل الميديا والدعاية الحديثة الأكثر تطورا لشن هجمات كاسحة على ثقافة وأيديولوجية العدو باستغلال الاختلافات العرقية والدينية، بل والمذهبية داخل الدين الواحد لهدم قوى المقاومة من الداخل )) ..
بداية الهجوم كان تشكيل وزارة أعضاؤها لهم سابقة تعامل مع البنك الدولي و صندوق النقد .. ثم تشكيل برلمان يتميز بالطاعة .. تم عن طريقة إصدار مئات القوانين و تعديلات القوانين .. التي أغلبها .. لا يعرفها المواطن العادى الذى لا يهتم بالقراءة إلا في كتبه المقدسة ..
الهدف من هذه القوانين كان تمكين الحكام الجدد و الوزارة بالقانون .. من تنفيذ سياستهم..
هذه السياسة .. التي أصبحت مقننة بواسطة نواب الشعب .. بالإضافة إلي تعديلات الدستور التي جرت بعد ذلك كانت السبب في التدهور المستمر .. لمستوى الحياة في بلدنا .. وفي المشكلات التي يواجهها الناس .
تشخيص المشكلة.. واضح و بسيط .. فسبب التدهور المتتالي للإقتصاد و إفقار المصريين .. هو ..
أولا .. الديون المتلتلة .. و فوائدها التي تستهلك أغلب الميزانية ..و التي تتزايد كل يوم بسبب خطة غير معروفة إلا لاصحاب السعادة تتصل بتنفيذ مشاريع مكلفة و ذات عائد محدود .((إنه إسلوب مجرب قام به كوادر صندوق النقد و البنك الدولي عدة مرات و أصبحوا خبرة في تنفيذه ..أى طرح مشاريع ذات تكلفة عالية بدراسة جدوى معيوبة ..أو بدون دراسات جدوى و توريط الضحية في الديون ))
ثانيا .. أن المصريين بعد تغيير نظمهم الإقتصادية و السياسية عدة مرات ( بين ليبرالي و رأسمالية دولة .. و إنفتاح إقتصادى إستهلاكي ..و تبعية للكرتيلات العالمية ..) .. تدهور حجم إنتاجهم و أصبح في الغالب خدمي ترفيهي ..أو عقارى (( ريال ستيت )) ..و لا يسد الإحتياجات اليومية للناس .. فتعتمد الحكومة علي الإستيراد .. بالعملة الحرة .. ( حتي الفول و القمح و العدس ) بحيث يصبح ميزان المدفوعات .. في غير صالح التصدير ... بمعني الناس مبتشتغلش ..و إذا إشتغلت ففي أنشطة لا تفيد التنمية وتخفيض عجزالميزان التجارى .
ثالثا .. .. أن هناك إسراف غير مسبوق و إنفاق غير مبرر لم يحدث في نتاريخ مصر إلا في عهد الخديوى إسماعيل .. تقوم به الحكومة .. لإنشاء مدن جديدة ..و قصور..و إستادات و ملاهي ..ومقرات صيفية و أخرى شتوية للوزارة والبرلمان ..و ناطحات سحاب .. مقلدة لمدن أمراء البترودولار .. و بأسعار مبالغ فيها .. تشرف عليها الهيئة الهندسية للقوات المسلحة .. تعفيها من مراقبة جادة من أى جهه .
رابعا .. أن هناك زيادة غير محكومة في تعداد المصريين ( مواليد أكثر من الوفايات ) ..بالإضافة إلي ملايين النازحين من الأقطار المحيطة ( العراق ، سوريا ، السودان ، ليبيا ..و أخيرا فلسطين ) ..وكلهم أى المواليد الجدد و الضيوف ..مستهلكون أكثر منهم قوة عمل مضافة .
هذا وصف مختصر للمشكلة .. في نفس الوقت الحل أيضا معروف للجميع .. إنه ..الإنتاج ... الإنتاج .. الإنتاج .. الذى يغطي إحتياجات الناس .. و يخفض الإستيراد .. و هذا لن يتوفر إلا بوسيلتين ..
التعليم و التدريب ..علي ما يحتاجة المجتمع من أنشطة .. مع التواصل مع الإبتكارات والعلوم الحديثة .
و الاخر .. خلق ظرف موات لنمو الإستثمارات المحلية .. و ضمان الأمان لرؤوس الأموال و عدم مصادرتها أو الحجز عليها أو سجن أصحابها ؟
السياسة التي جعلت الإستثمار الخارجي يخشى الدخول لمصر .. و يجعل الإستثمار الوطني يهاجر إلى أماكن آمنة.. هي سبب عدم التقدم ..و ترك السوق نهيبة للإنتهازية ..و إن كان يمكن تجاوزها عن طريق .. بث الأمن و الإستقرار مع وقف سيل القوانين التي تصدرها الحكومة ..و التي تؤدى لترويع الناس في حالة حيازة الذهب أو العملة الحرة ..و منع المصادرة غير المقررة بحكم قضائي .
كذلك ضبط المنافسة غير العادلة .. مع الصناديق السيادية ذات النفوذ و الإعفاءات .. ومراجعة أسلوب تحصيل الضرائب المبالغ فيها المتعددة و التي تحتاج لجيش من الموظفين لضبطها .
.
بكلمات أخرى المخرج من الأزمة التي نعيشها يبدأ بالإجابة علي سؤال بديهي (( عارفين إنتم عايزين إيه)).. والتي قد تكون
لا نريد رئيس الجمهورية الأب البطريركي (Patriarchy)الذى يمتلك عصا الراعي.. أو السوبرمان صانع المعجزات ..أو الولي الملهم المتصل بالسماء
.. وإنما نريد قائدا للفريق يحترم الدستور والقانون ولا يخلط بين الدين و الدولة يعرف كيف ينظم ثروات المجتمع وطاقات المواطنين وإمكانياتهم ، فإذا ما كانت هذه الطاقة محدودة أو قليلة يلزم نظامه بان يضع الأساليب والخطط التي تؤدى إلي تحديثها وتنميتها و تحسين أداءها
رئيس.. يستطيع إستيعاب تنوع مجموع المواطنين بغض النظر عن دينهم أو جنسهم ..أو عملهم ..أو لونهم .. و تنظيمها وتوظيفها فى الاتجاه الايجابى لتكوين نهضة شاملة وثورة ناقلة للأمة من مستنقع السكون الى الحركة على المسار الانسانى.
نريد ديموقراطية .. حرية رأى .. حقوق إنسان .. شفافية و سهولة تداول المعلومات ..تنشيط دور المجتمع المدني و المعارضة ..
و عودة القوى العسكرية لدورها الطبيعي داخل معسكراتها.وعلي الحدود تحمي.. فلا تصبح طبقةعلوية تزاحم المواطنين في أنشطتهم و لا تميز نفسها بالقوة و التهديد وإشاعة الخوف .. و لا ترفع شعار ( يد تبني و يد تحمل السلاح ) فتتشتت بين كل من النشاطين .
نريد إنتخابات غير موجهه .. تؤدى لبرلمان و حكومة لها برنامج واضح لمقاومة الفساد و للإصلاح و التنمية و تلبية إحتياجات الناس ..يشتمل علي حل كامل لانظمة التعليم و العلاج ..
وكفاءة إستخدام الثروة و عدالة توزيعها.. .يضع في إعتبارة التقشف في الإنفاق الحكومي مع تخفيض عدد الوزارات و مراجعة ميزانياتها و إنفاقها دون إستثناء و تخفيض عدد المستشارين الحكوميين والحد من بناء القصور و شراء وسائل الإنتقال والطائرات المترفة مرتفعة التكاليف..
و التوقف عن الإستدانه الخارجية و الداخلية ..مع وضع خطة لتصفية الديون وإعادة جدولتها .. ومحاسبة الحكومة دوريا علي مدى النجاح الذى تحققه .
مراجعة كل القوانين التي أصدرها عم عبد العال و خليفته ..و تجميد و رفع التعديلات غير الدستورية من الدستور ..و تصفية الصناديق الإقتصادية السيادية والخاصة و ما يترتب عليها من أتاوات تفرض علي المواطنين .
إنهاء تواجد الشركات التي لا تمتلكها جمعية عمومية من المساهمين و تديرها ( القوات المسلحة و الشرطة و المخابرات ).. مع مراجعة نتائج سيطرة الأجهزة السيادية علي النقابات والأحزاب والإعلام والنشر و الرياضة والتسويق و الفن و السينما ..و الإحتفالات والحكم المحلي .
إستقلال القضاء و دعمه ومنع تجريم قضايا الراى و الفكر علي المستوى الديني و الإجتماعي و السياسي و العلمي و الفني .. و الحد من مدة الحبس الإحتياطي مع ضمان معاملة إنسانية للمتهمين في السجون و أقسام الشرطة .
فإذا ما كان لنا دستورا عصريا يحترم الانسان وحقوقه ..جاء أداء النظام إيجابيا عادلا يصب في مصلحة المواطنين عن حق .. ورئيس دولة يتداول السلطة مع من يختاره الشعب بعده بوعى ليحل محله دون تشبث أو تمسك بالمنصب والكرسي.. نصبح في طريقنا خارج المخاضة الأسنة و التبعية لصندوق النقد و توجيهات الديانة .
بكلمات أخرى .. عايزين دولة علمانية معاصرة نظيفة عادلة.. بعيدا عن تسلط كل من العسكر و رجال الدين الذى أنهكنا لما يقترب من القرن .
هذه الأمور معروفة جيدا لعدد كبير من المثقفين .. بل معروفة أيضا لصناع السياسة المصريين ..و لكن تقف أمام تحقيقها .. عقبتان ..
الأولي أن المليارديرات المنتصرون لا يريدون تغيير الوضع .. أو المساهمة في دوران عجلة الإستثمار و التنمية .. و هم يحرصون علي بقاء الشيء علي حالة ما دام يؤدى لزيادة أرصدتهم .. و الإحتماء بدعم القوات المسلحة ..و الداخلية ..و البرلمان .. و الأزهر و الكنيسة القبطية .. و كلها قوى يصعب مواجهتها .
العقبة الثانية .. أن الناس .. يفضلون الحلول الفردية للنجاة من الطوفان .. عن الحلول الجماعية التي تحتاج قيادة .. و حزب .. و خطط ..و متابعة للنشاط .. و تعديل في السياسات ..و كلها أمور محبطة لمن يريد أن يحل المشكلة بفرك خاتم سليمان و جعل الجني يقوم بعملهم .
النتيجة .. توقع إستمرار قوة المليارديرات و من يدعمهم .. وعدم تطور أساليب و شكل الإنتاج .. زيادة درجات المأساة .. بسقوط الجنية إلي مستوى يماثل العراق و سوريا و السودان و لبنان .. و يمكن كمان غزة . ..