الدنيا إتغيرت .. و مبقتش علي مقاسي .


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7869 - 2024 / 1 / 27 - 07:47
المحور: سيرة ذاتية     

عملت كمهندس لمدة 60 سنة ( أكتوبر 1962 - نهاية أكتوبر 2022 ) أى منذ صدور أمر تكليف المهندسين حديثي التخرج .. حتي إنتهاء عقد الإشراف علي تشغيل و صيانة المرحلة الأولي من محطة تنقية مياة الصرف الصحي ..بالجبل الاصفر .
30 سنة منها (أى نصفها ) كنت نائب كبير المهندسين الإستشاريين المشرف علي إنشاء و تشغيل و صيانة مشاريع الصرف الصحي في الجبل الاصفر و أبو رواش .. و كان مخصصا لهذه الوظيفة عربة 4×4 بسائق .
أركب السيارة الساعة السابعة صباحا كل يوم .. و خلال الرحلة التي تستغرق من نصف إلي ثلاثة إرباع الساعة .. كنت أفكر في أنشطة اليوم و أرتب أولويات العمل.. دون أن التفت للطريق الذى نسلكه .. نفس الأمر ..يحدث في رحلة الإياب الساعة الرابعة فأغلبها يستهلك في الردعلي تليفونات مختصة بالعمل .
بمرور الوقت .. لم أعد أعرف الأماكن خارج مسارى اليومي .. و بعد هوجة التغييرات الأساسية في الطرق و اليوتيرنات وإقامة الكبارى .. أصبحت خريطة مدينة القاهرة التي في ذهني .. قديمة و لا تطابق الواقع .
المشكلة أنني عندما توقفت عن العمل .. كان عمرى 82 سنة .. لدى مشاكل في السمع و الرؤية .. و في بعض الأحيان يحدث لي دوار .. ففضلت الأ اسوق سيارة .. و أعتمد علي الأقارب خصوصا الباشمهندسة في الذهاب إلي الأماكن المختلفة .
خلال السنتين الماضيتين حاولت أكثر من مرة إستخدام تاكسي و كانت المغامرة تنتهي إما بخناقة .. أستسلم فيها و أدفع ما يطلبة السائق .. أو ادفع طلبه دون حوار رغم تأكدى أنه قد تم سرقتي . .. و في مرتين مرضت بعدوى من السائق إما بالإنفلوانزا أو كورونا
في نفس الوقت .. لا اثق في الوسائل المستحدثة لطلب المستلزمات عبر ( أون لين ) و لا استخدمها .. فلم أركب الموضات الجديد أوبر .. و خلافة .
خلال ال30 سنة فقدت مهارة معرفة مسارات الأتوبيسات ..أو الميكروباصات .إية رايح فين ولم أستخدم مترو الأنفاق غير مرة أو مرتين عانيت فيهما عذاب الصعود و النزول علي سلالم عديدة.. فلم أكرر ذلك .
النتيجة أنني يوم بعد يوم أصبحت أفضل الجلوس في المنزل و عدم مغادرته سواء منفردا أو مصحوبا بأخرين .. حتي النادى لا أذهب إلية إلا مرة أو مرتين في الشهر ..و أشعر هناك بالضجر
الدكتور اللي بروح له بشكل دورى .. الح في أن علي أن أبذل نشاطا ما .. إنزل إتمشي في الشمس بالشوارع حول المنزل لمدة لا تقل عن نصف ساعة ..
الأرصفة إما مشغولة أو مكسرة .. و المشي في الشارع ( حتي قرب الرصيف ) مغامرة محفوفة بالمخاطر مع السادة سواقين الموتسكلات .. و الأتوبيسات .. و الميكروباصات.. ..
لذلك فضلت الحركة في الشوارع الداخلية .. التي إمتلئت بناس لونهم طيني لعدم الإستحمام .. يبحثون عن شيء ما في صناديق القمامة .. و لا يتورعون عن مضايقة شخص مسن مثلي يطلبون حسنة ما بإلحاح .... فضلا عن كمية هائلة من الكلاب و القطط بعضها عدواني ينبح علي الغرباء .
لذلك عندما أسير في شوارعنا .. لا أحمل موبيل أو أى شيء ثمين أو محفظة نقود .. كل ما ستجده في جيبي بطاقة شخصية تدل علي سكني .. و مائة جنية ..و شوية فكة ..مع تجنب تجمعات الكلاب.
بمرور الوقت ..أصبحت أكسل أن أتجول كل يوم في نفس المكان .... حاجة تمل ..
طيب نقعد نتشمس في كافيتريا أو مطعم من اللي إنتشروا في كل مكان حتي تحت الكبارى .. للاسف .. تعودت منذ زمن بعيد ألا أتناول طعام من الخارج .. خصوصا البيتزا و الكينتاكي و الشاورما ..و الأن الفول و الطعمية .. بعد أن تغير طعمها ..
في نفس الوقت أتجنب الأطعمة المحفوظة ( جنك فود ) أو المياة الغازية ..أو الكحول ..و في كل يوم يزداد يقيني .. أنها ليست أمنة أو نظيفة ..لذلك من الصعب أن اذهب لمطعم إلا إذا كان كبابجي أو سماك .
.في أيامنا الغبرة هذه .. اصبح الغش في افضل الأماكن .. يتم دون تردد .. لحوم الكلاب و الحمير تتحول لكفتة و كباب ..و السمك الذى علي وشك الفساد أثناء النقل خصوصا في الصيف .. يقدم بأعلي الأسعار ..الفرد يتكلف أكثر من خمسميت جنية في الوجبة الواحدة بسبب الإضافات الضرائبية و الخدمة ..و إرتفاع التكلفة ..
فاصبح تناول الطعام خارج المنزل يحتاج لمن يملك الملايين ..و يضمن إستمرار حصولة عليها ..أى شخص لا يعتمد علي معاشة الذى تنخفض قيمتة الشرائية .. كلما طبعوا نقودا لتغطية عجز الموازنة .
بلاش التمشية في الشارع أو النادى.أو القعاد في القهاوى و الكافتريات . نروح في رحلة .. إيه رايك المتحف الجديد .. يا نهار مش فايت .. دا التاكسي يطلب مني خمسميت جنية رايح و زيهم راجع ..
طيب معرض الكتب .. نفس المشكلة .. عباقرة التخطيط لدينا رموا الإستاد و المعرض و المتحف في أخر الدنيا دون تدبير وسائل مواصلات رخيصة لها .. فلم يعد يذهب هناك إلا الأغنياء الذى يملك سيارة .. أو خدمة سيارة ..و يطلع عين أهلة في الركن و مقاومة طمع الفتوات من اللي مسميين نفسهم مناديين .. ( دى الحكومة بتشاركنا يا عم )
زمان كانت كل هذه الأماكن قريبة ..كنت أذهب لها ماشيا ..و لكن الدنيا إتغيرت .. و مبقتش علي مقاسي .
المشكلة أن حتي و انا في البيت أشعر ايضا بالملل ..
لا أشاهد أى محطة تلفزيون تنطق بالعربية محتفظا براسي في مكانها ..و لا أسمع الأخبار التي كلها مزورة و معدة بواسطة أجهزة الجيل الرابع من الحروب .. و لا يهمني مين مات و مين عاش و مين جاع و مين إتعور ..ومين حيحل مشكلة مبتتحلش ..و مين اللي معقد المسائل
و لم أعد أسمع الموسيقي أو أتحدث في التليفون بسبب ضعف السمع .. قد أشاهد ماتشات النادى الأهلي و أنفعل و أحلف إني مش حتفرج بعد كدة ..و أبص اللاقي نفسي بدور علي ميعاد الماتش التالي ..
لا يزورني ناس لانني لا أحب اللت و العجن و بزهق بسرعة .. و كل واحد مشغول بمصيبة إزاى يعيش بين الغيلان ..
في نفس الوقت أصبح السفر للخارج غير وارد .. فلم أجدد الباسبورت و أكره العبور في المطارات و التكلفة بعد سقوط قيمة العملة المحلية أصبحت خارج قدرات شخص لم يهتم بتأمين باكر عندما كان يملك الصحة و المال ..( بصراحة كلام في سرك .. كنت مجهز وديعة شايلها ليوم دفنتي و تساعد أرباحها في مواجهة تكاليف الحياة .. إستهلكها التخفيض المتتالي للجنية .. فاصبحت قيمتها قروش )
اليوم يمر ممل .. بعد ما بقيت مسن قليل الحيلة محبوس في منزله لا يعرف الفرق بين يوم السبت و الثلاثاء أو الخميس .. فكلها متشابهه ..العب سوديكو علي التليفون .. أنتظر بصبر نافذ أن تنتهي مدة عقوبتي علي هذه الأرض .. و أخلص من هذا المكان الشرير الطارد للبشر .. أف زهقت .