نعوش أطفال غزة.. جرس إنذار


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7768 - 2023 / 10 / 18 - 09:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

لا أعتقد أن هناك ما هو محزن و مؤسف مثل تلك الصور المنتشرة علي الفيس بوك لصف من أطفال غزة الملفوفين في أكفانهم .. ضحايا الغارات الإسرائيلية
في مثل هذه الظروف .. الحديث عن جزاء مبني للمجهول لهؤلاء الأشرار المتسببين في هذا الإغتيال و أنهم سوف يذوقون من نفس الكأس ....يشبه في سخفه ذلك الشخص السمج ألذى يحكي نكته للمعزيين في جناز ..
أنت لا تعرف من هو المتسبب الذى توجه إليه سهام غضبك .. هل هو من وجه الصاروخ .. أطلقه .. نقلة لميدان المعركة .. جهزه للإطلاق .. أم من إخترعه .. صنعه .. و أمر بالإطلاق محددا مكان النهاية ..
إنه خط إنتاج متعدد الأفراد ينفذ إرادة سياسية موجهه لقوم يعتقدون أنهم علي صواب .
لذلك إحترت كيف أبدأ هل بإدانة لا قيمة لها لجميع الأطراف ..أم بتعاطف إنساني مع القتلي و الجرحي و المحجوز عنهم أساسيات الحياة كعقاب لفعل لم يقترفوه . .أم بوعظ عن قدرة القديرعلي إرجاع الحق و الإنتقام من الظالمين .. .ام بمقال عن ما يقود إليه العقل من أسباب. تدعو للسلام ..
عندما بدأت في كتابة هذا الحديث .... لم أكن أتصور مدى المشقة التي يعاني منها الفلاسفة و المصلحين عندما يتحدثون عن الحق و الخير لناس غير مهتمين .. إنه أمر صعب أن تقنع هذا الصياد الذى لا يشبع من إراقة الدماء أن يكون مسالما تحركه قيم إنسانية تجعله يتناغم مع بيئة محيطة يحافظ عليها ..و تدمع عينيه عندما يرى منازل عامرة اصبحت خرابات ونعوش مرصوصة لأطفال لم تكمل شهورها الأولي .
هذه هي طبيعة الحياة .. أن تعيش كائنات علي إفناء كائنات أخرى، ان لم يكن هذا واضحا تأمل الطعام الموجود علي مائدتك أثناء تناول اى وجبة من وجبات اليوم، نحن نأكل الخضروات، الحشائش، القمح، السمك، الطيور، اللحوم، الفاكهة ، ونستولي علي إنتاج كائنات اخرى كالعسل، البيض، واللبن
نحن نقاوم الذباب، البعوض ،النمل، الجراد بالمبيدات وكلها كائنات حية ونطارد الفئران، القطط ، الكلاب المتواجدة في الشارع دون صاحب وهي كائنات، وندمر البكتيريا والجراثيم بالمطهرات و المضادات الحيوية رغم انها أيضا كائنات .
فلماذا نعجب عندما يقصون علينا أن البشر في زمن سابق أكلوا لحوم بعضهم!! أو نندهش عندما نكتشف اليوم أن جماعة منا تقوم بالتخطيط لإفناء جنس ، قومية، أو أبناء طائفة مخالفة !!
انها طبيعة الحياة أن يدمر القوي (اذا استطاع) دون رادع ، انها الوحشية التي فطرتنا عليها الحياة وهي القانون الذى يحكم وجودنا.. في السلم و الحرب .
الابيض استعبد الاسود و الاصفر وهو يصر علي ان تبقي العلاقة بينهما علاقة التابع بالسيد .. الاغلبية تضطهد الاقلية والغني يتحكم في الفقير والبوليس يعذب الشعب ، والبلطجية ترهب كل من يتصدى لها انهم جميعا بشر قادمون لتوهم من غابات التخلف و البربرية. لم يؤثر فيهم وعظ أو فلسفة .
تاريخ الانسان المتداول هو في حقيقته تاريخ الإفناء و تجنب الإفناء، وذلك بابتكار و امتلاك و تخزين أسلحة هجومية و أخرى دفاعية ، السهم، الرمح ، والسيف في مواجهة الدرع والخوذة و التحصينات .
المدفع ومدفع ابعد مدى .. الدبابة و الالغام .. الطائرة و الردار و الصواريخ، الرغبه في تدمير الآخر و الخوف من تدميره لنا.
و مع ذلك
فالحرب كانت دائما الدافع الرئيسي للاختراع وهي سبب تطور الاسلحة و مضاداتها ومن خلالها عرف الانسان السيارة، الطائرة، الصاروخ و تفنن في زيادة سرعة معداته علي الارض أو فوق وتحت الماء أو في الهواء ..أو السياحة في الفضاء.
الحرب كانت خلف إبتكار إسلوب تدمير المانع الإسرائيلي علي القناة بخراطيم الماء .. و طريقه مهاجمة الغزاوية لجيرانهم بالطائرات الشراعية رغم الأسوار و أجهزة الإنذار.
تكنولوجيا الافناء و الاتقاء منه تطورت بشكل واسع بعد تفجير قنبلتين ذريتين فوق هيروشيما و نجازاكي، القنبله التي جرى استخدامها أصبحت لعب اطفال بجوار الاجيال التالية من اسلحة الدمار الشامل، ووسائل النقل أصبحت أسرع و أدق كما ان أساليب الوقاية منها وحرفها عن الهدف تطورت مع اكتشاف ما للموجات اللاسلكية من قدرات سحرية في نقل الصوت و الصوره أقرب للمعجزات.
لقد تغيرت قياسات القوة ..و أصبح علي من يريد ألا يستعبد و يهان أن ينضم لسباق الاختراع يصبح له القدرة علي إبتكار و تصنيع أدوات الفناء وحيازة أساليب تأمين مهمات الانذار و التشويش لافشال فاعلية اسلحة العدو .
السباق لم يتوقف منذ وعي الناس و سيبق دائرا حتي نصبح بشرا .
الحرب وامتلاك تكنولوجيا الهجوم أو الدفاع .. في زمننا .. يحتاج الي علم و علماء ..الي جامعات متقدمة و أبحاث الي معامل و مصانع الي صبر وخيال الي تجارب وتطبيق و تطوير الي مراعاة الجودة و الدقة والقدرة علي التخطيط و تنفيذ ما تم تخطيطه ..إلي بناء تحتي يجعل منك معاصرا .
خبرة متراكمة تتصاعد باستمرار و مواطن حرغير خائف قادر علي الإبتكار و التعلم من الأخطاء ..وهو الأمر الذى لا تمتلكه بعض المجتمعات المشغولة بقضايا وجودية أخرى.. فتعيش عالة علي ما ينتجه الأخرون و درجات سماحهم ..ثم القدرة علي تسديد الثمن .
إنه عالم متوحش تتغير أنيابه و مخالبه كل دقيقة ..وعلينا قبوله هكذا .. لا توجد حلول أنية لردع الاقوى من تدمير الاقل منه قوة في غزة و أوكرانيا و اليمن وسوريا و العراق و إفريقيا و أمريكا اللاتينية .. حيث لا مكان للضعفاء الذين لا يمتلكوا قدرات الزمن الحديث .
علي الجانب الأخر
الانسان فى رحلة تطوره من قطيع الاريكتوس الساعى طول اليوم باحثا عما يسد به رمقه من جذور أو أعشاب مدافعا عن نفسه ضد عدوان الوحوش والحشرات وكائنات الغابة الأثيرية، الى ذلك العالِم الذى يضع سيناريوهات مواجهة الكائنات الفضائية فى حالة غزو الأرض مستخدما حزام الكويكبات فى صد الأساطيل المغيرة .. كون لنفسه عبر تاريخه الطويل نسقا إجتماعيا وأخلاقيا هذبه وأنسنه وميزه عن ضوارى الغابة وجعله واعيا بمدى نبل سيادة قيم السلام واحترام حقوق الانسان والتوافق مع البيئة. .الشخص منا كلما تقدم تطورت لديه القيم و الأخلاق كلما أصبح إنسانا ..
و لكن للأسف تطور القيم لم يواكب في سرعتة .. قفزات التطور العلمى والتكنولوجيا . و لم نعد نعرف هل قتل المدنيين بالصواريخ عملا عسكريا أم هو فعل همجي
.بكلمات أخرى لم يعد امام الناس بد من العمل علي سرعة تهذيب أنفسهم و ضبط سلوكهم و الإتفاق علي عقد إجتماعي أكثر توائما مع ما نرجوه للبشرية أفضل من الحوار بالقنابل النووية و الصواريخ عابرة القارات
لقد أصبح هذا هو الواجب الأساسي للناس .. إذا كانوا يرغبون في الإستمرار والرقي.
تاريخ الحضارة البشرية علي الأرض لا يزيد عن خمسة عشر الف سنة .. و هذا بالنسبة إلي عمر الكون أو المجموعة الشمسية التي تعد بمليارات السنين .. لا يزيد عن زفره ..لا شيء ..
الإنسان كائن دخيل علي الحياة قد يفني و يندثر و يصبح حقبة غير معروفة في تاريخ سكة اللبانة وقد يصبح المرشح لسيادة هذا الكون و التحكم فيه لو عاش في سلام لمليون سنة قادمة
بكلمات أخرى نحن نعيش علي كوكب عجوز .. مرحلة الطفولة المبكرة للبشر .. و لا زلنا نحبو .. لم نتخلص بعد من أخلاق الغابة .. و سلوك الضوارى ..
فهل مع الأيام سيتغير الناس و يتعلموا الرحمة و التسامح و قبول الأخر .. أما سيستمروا في تبادل إطلاق الصواريخ علي بعضهم فتصبح رحلتهم علي الأرض قصيرة و يندثر جنسنا.