نتعاطف .. لكن لن نحارب


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7784 - 2023 / 11 / 3 - 09:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عندما سار الرئيس السادات عكس الإتجاه و قرر دون الرجوع للناس أن يذهب إلي القدس و كامب دافيد و يدير محادثات سلام .. كان يغلق جرح 47 و 56 و 67 علي حاله قبل أن تجرى معالجته . .
لقد تصور أنه إنتصر في أكتوبر 73 ..و أنه بذلك أصبح في قامة مساوية لمن يفاوضهم .. في حين أن أغلب الذين جاوره من قادة الدول أو إشتركوا معه في الحكم كانوا يعرفون حقيقة الأمر أن ما يقوم به هوعملية إستسلام يائس فلم يقبلوا تلك الحلول التي لا تتفق مع مفاهيم السلام المبني علي توازن القوى العادل.
الرئيس السادات و من سار علي دربه خلال نصف قرن ..لم يفهموا أنه كان عليهم بناء أوطان .. قوية ..عصرية قادرة علي منافسة العدو .. قبل الحديث عن أن أكتوبر هي أخر الحروب .
نتيجة هذا
إتنكسنا بعد خمسين سنة وها نحن نعود إلي نقطة البداية .. الناس في الشارع و الإستاد يحملون الأعلام الفلسطينية ..و علي وسائل التواصل الإجتماعية يرون أن إسرائيل هي العدو و يدعون للجهاد و التخلص من معاهدة كامب دافيد و قتال المعتدين الذين يبيدون أهل غزة .. بنفس درجة حماس الأجداد و الأباء الذى عاصرته أعوام 1947 ..1956 و 1967.. كأن التاريخ يعيد نفسه ويحكم علينا أن نظل رومانسيين لا نقدر مدى إمكانياتنا.
حسابات القوى تقول أننا لسنا بعيدا عن تلك الظروف التي أدت للنكبة و النكسة ..واننا غير مستعدين كمجتمع .. لقتال طويل المدى تنشترك فيه مع مليشيات العراق و سوريا و حماس و حزب الله .. فلم نعد أنفسنا لمثل هذا اليوم و لم نستفيد من سنوات السلام لنتحول إلي قوة يعمل الصديق قبل العدو حسابها .
من الصعب أن نخوض حرب ضد أمريكا و أوربا و إسرائيل معا فهي ليست في صالح الذين يشترون أسلحتهم من معسكر الأعداء ..فيتحكم البائع في نوعها و قطع غيارها و ذخيرتها .
كل ما نستطيعه هو أن
نتعاطف إنسانيا و ندعم أهل غزة و نهلل مع كل معركة يتفوقون فيها ..وقد نقدم مساعدات اكل وعلاج و مياة .. ونرفع أعلامهم في الإستاد ..و نصدر بيانات متفجره .. هذه هي الحدود ..
فأنا اخاف أن يأخذنا الحماس ونسترسل في الدعم فنجد الأخوة الفلسطينيين يعيشون بيننا.. يزاحمون السوريين و السودانيين و العراقيين علي شراء المساكن و المحال التجارية المعروضة في الكومباوندات بالدولار..و يشاركون الشعب المنهك الغلبان في طعامه و شرابه .. و علاجه .. و شوارعه و مواصلاته ..التي لا تكفيه .
البداية كان من المفترض أن تجرى بعد هزيمة يونيو 67 فنقوم بالتحول من ديكتاتورية حكم الفرد إلي الديموقراطية .. و سيادة الحريات ..و الشفافية ..هكذا تعلم المهزومون علي مر التاريخ ..
لقد كنا مستعدين لهذا التغيير..لولا تصور خاطيء لمعني الحرب و السلام صاحب فكر حكامنا فزادوا الطين بللا
لقد كان علينا القيام بعمل جاد لبناء وطن يستطيع أن ينتج طعامة و معداته و أدويته و ملابسة و سلاحه و ذخيرته فلا تملي علينا الدول المصدرة لأحتياجاتنا ما نفعل ..
وطن ينافس في السوق و مجالات العلم و الثقافة و الفن والرياضة .. الدولارات التي تم بها شراء أسلحة صامته بين أيدينا لا نعرف في أى إتجاه نوجهها ..كان بمقدورها عمل معجزة وضعنا في المنافسة ..ثم نسالم بعد ذلك من موقف القوة .
المصرى لم يتعلم خلال نصف قرن عاشه في سلام أن العمل الجاد و الابتكار والإدراك العلمي هي أدوات التقدم .. لقد أفهموه أن السمسرة و الإستدانه و بناء القصور و شراء وسائط النقل المترفة و بناء الكبارى هي علامات التحضر
نحن نتدهور
المطاعم تقدم اسوأ أكل ممرض بأغلي سعر و الشوارع تحفر ولا تعالج في فوضي و الأشجار تقطع و تزال في خطط تطوير وهمية ..و المنازل و المقابر تهدم من أجل بناء كوبرى أو شق طريق .
الحرائق تشب فيصعب إطفاءوها ..والقطارات تتصادم بسبب الإهمال .. وحتي الاجانب عندما يعملون في مصر يقدمون الحد الأدني من المعرفة و الجهد ..
المصرى خلال نصف قرن لم يعد يتفوق الا في الإنجاب والتعصب الديني ( كمسلم و مسيحي ) .
المجتمع محروم من أحزاب حقيقية أو مؤسساته المدنية و الحقوق و الواجبات غير واضحة و ( متقولش إيه إديتنا مصر .. صبح عليها بجنيه )
الفارق بين السلطات الثلاثة غير محدد الكل يصب في نقطة واحدة ..ولا يوجد تعليم أو بحث علمي أو فن .. يوجد فقط موظفين يعبدون الروتين ويقدسون السلطة ويزينون للحاكم ما يتخذه من قرارات ويخفون حقيقه ما يحدث علي الارض..
و ها هي النتيجة .. شدة قادمة مع إستكمال خطط إصلاحهم الإقتصادى ..و بلد أصبح يمتلك الغرباء فيه أغلب أوراق اللعبة..يعيش أهله علي الإعانات و الديون ويحرص الحاكم علي الا يغضب الجيران الذين في وسعهم الوقوف علي أبواب قصره بالنبابيت الإلكترونية .
الدولة تخفض قيمة الجنيه وقوته الشرائية وتقتطع بهذا من مدخرات الناس ..أما اذا كنت موظفا أو علي المعاش فعليك أن تعوض الفارق في القيمة بمصدر اخر للدخل سواء كان قانونيا أو غير قانونيا ولا حد علي سارق في مجاعة
نحن كمصريين لا نعرف بالضبط حجم الإنفاق علي المستخدمين الحكوميين المخصصين بهدف دعم أمن الحكام الذين في الغالب أصبح عددهم يتجاوز الملايين ما بين مجند أمن مركزى و ضابط.ينظم مرور التشريفة . وما يخدم عليهم في الصحافه والتلفزيون والأجهزة الرقابية و القوات الخاصة والبرلمان بشقية ..ورجال حزب نكبة وطن و الأحزاب الأخرى السنيدة المرتزقة ..والكورال الحكومي المعطل للمراكب السايرة .. فضلا عن هؤلاء الذين لا عمل لهم إلا تعذيب الأخرين في مؤسسات الجبايةو الإنضباط .
بكلمات أخرى .. لم ننتهز فرصة مرور نصف قرن عشناها دون حرب بعد 73..و نبن مجتمعا حرا جديدا يشبه مجتمعات الجزء الشمالي من البحر المتوسط و ليست لدينا القدرة علي معارضة الموردين لإحتياجاتنا و الديانة
..فإذا ما استمرهذا التفسخ فسيؤدى حتما الي الخروج من قائمة الدول الي قائمة سكان الغابات .. لتتضاعف المعاناة و يظل موقف الحكام من الأحداث لا يتوافق مع إرادة الناس ..و ستبقي العلاقة مع العدو قائمة علي قواعد الإستسلام لا توازن القوى . بصراحة مش شايف شمس بكرة .. الضباب كثيف .. لوكنت أصغر سنا كنت هربت في المراكب عابرة البحر المتوسط ..