عصر جليدى مصغر


محمد حسين يونس
الحوار المتمدن - العدد: 7766 - 2023 / 10 / 16 - 07:54
المحور: الادب والفن     

عندما يتراجع الثلج لمكانه حول القطبين .. وتظهر الشمس بكامل قوتها ..وتعود الأرض لطبيعتها دافئة خضراء ..و تتحرك المياة المجمدة في المحيطات و الأنهار.. و يصبح في مقدور الناس التي نجت التجول بين الأطلال و إستكشاف أثار ما حدث خلال عشر سنوات تجمدت فيها الحياة ... سيجدونها ( العاصمة السيساوية ) .. في ركن قصي من الصحراء الشرقية خلف الأسوار ..تبدو قمم مبانيها المحفوظة تحت غلاف ثلجي جارى ذوبانه سليمة لم تمس أو تتلف ألوانها ..أو تستخدم .. إلا في تكسيح ميزانية مصر .
يتوقع علماء (بريطانيا و أمريكا و روسيا.) حسب برنامج في قناة التاريخ H2. و بعض الأخبار المتناثرة علي السوشيال ميديا ..أن العالم سيواجهه تغيرا مناخيا يؤثر علي سير الحياة فوق الكوكب خلال العقد الرابع من القرن الحادى و العشرين
((تبدو نتائج الدراسات التي أجرتها (الجمعية الفلكية البريطانية)، مثيرة لقلق البشر بالفعل، ولا سيما أنها تؤكد أن نشاط الشمس مرشح للانخفاض بنسبة 60% خلال الفترة من (2030حتي2040)، مما يعني انخفاض درجة حرارة الكرةالأرضية)).
بكلمات أخرى طبقا لدراسات علمية قامت بها مراكز الأبحاث في بلاد الواق الواق لا نعلم الكثير عنها .. يتنبأون أن الأرض ستواجه عصرا جليديا مصغرا لمدة عقد قادم يبدأ من 2030 .. يؤدى إلي أن ترتبك الحياة بالجزء الأكبر منها بحيث سوف يتوقف تواجد البشر و الكائنات الحية في المساحة الممتدة من القطبين حتي مدارى السرطان و الجدى
عن هذا الزمن الصعب .. ماذا سيحدث في بلدنا !!..
أستطيع التنبوء بما سنواجهه.. دون حاجة للبلورة السحرية لقارئة الطالع أو لكاهنات ( دلفي ). فالمستقبل إبن للحاضر يحمل ملامحه و لا يختلف عنه إلا في الوجوه.
سنكون أمة عجوز وصلت للمحطة النهائية علي طريق الإندثار ..بعد أن فقدت.. خلال 75 سنة سابقة البنية التحتية العلمية والثقافية التي كان من الممكن أن تحميها وتجعلها تلحق بقطار الحضارة فائق السرعة.
في عام 2030 ستكون نهاية الفترة الرابعة لحكم الرئيس السيسي لمصر تلك المنحة التي وهبتها إياها تعديلات دستور الحاج علي عبد العال ( غير الدستورية ) و مناورات كيد النسا و الاعيب المراهقين أمام مقرات الشهر العقارى التي أطاحت بأحمد الطنطاوى منافسة علي المنصب .
سيكمل سيادته فترة بدأت من سنة 2014 قدرها سته عشر سنة يتحكم خلالها في كل مجال من مجالات حياة الناس ساقطا بهم إلي درجة العوز ..مجرفا لما تبقي من ثرواتهم المادية والعلمية و الفلسفية و الفكرية و السياسية و الحضارية و الفنية و حتي الرياضية .
فترة سيتكلم عنها العارفون من الباحثين في التراث مستقبلا..علي أساس أنها كانت كلمة الختام النهائية لمرحلة حكم الضباط دامت منذ أن إنقلابوا في 1952 و حولت مصر من شبه مستعمرة في عهد الملك فاروق .. إلي جمهورية موز يسيرها بالريموت كونترول عن بعد ويقرر لها سياستها من يديروا صندوق النقد..و يتحكمون في الديون المتلتلة المتراكمة.
سنة 2030 ستكون حكومة مصر..المتحالفة مع رجال الدين ( المسلمين و المسيحين ) قد أتمت بناء عاصمتها الصيفية علي البحر المتوسط .. و الشتوية في الصحراء الشرقية ..وزودتهما بالقطارات السريعة .. و المنوريل .. و الحدائق الغناء .. و مفاعل نووى ينتج لهما الكهرباء.. و تستعد للاحتفال بشغلها و إستخدامها .. و لكنها ستفاجأ ( كما هي العادة ).. بالعصر الجليدى المصغر فتتركها علي حالها و تهرب لدفء الجنوب .
سنة 2030 ستنخفض حصيلة الضرائب و الجمارك فلا تغطي نصف فوائد الديون.. و يعوض الدائنون بمنحهم إمتيازات عينية مثل حق الإنتفاع بادارة قناة السويس ....أو الترويج السياحي لمنطقة الهرم و المتحف الكبير و مدينة الأقصر ..مع بيع مؤسسات القطاع العام للبعض من المتحالفين مع حضرات الضباط .. و قد يضم للمزاد بعض الأثار مثل قناع توت عنخ أمون.. أومسلة لرمسيس .. أوتأجير أجزاء من أرض الوطن ..او أى غرض يشير إليه الديانة و يعتبرونه مصدر ربح لهم .
المصريون سيكون نصفهم غير متعلم ..أو شبه أمي يحمل دبلوم متوسط.. و المؤهلين منهم ( 20% ) ستجدهم ضعيفي الثقافة متواضعي الوعي يعانون من البطالة والفاقة والصراع العنيف لتوفير لقمة العيش ..فالكل بدخولهم المتواضعة في 2030 سيشحت أمام الغلاء الفاحش و تدهور قيمة الجنية .. ما عدا المؤسسات التي تضمن لمنتسبيها قوت يومهم بكرم في القوات المسلحة و الشرطة و الأزهروالكنيسة و البرلمان .. والتي يتسابق الناس للإلتحاق بها ..و العيش في ظل خيرها .. حتي لو دفعوا الرشاوى .
و هكذا سيواجه المصريون هذه التغيرات المناخية و الإقتصادية و الهجرة الأوروبية لإفريقيا ..و هم في أضعف حالات التفكك و الضعف التي لم يعانوا من مثلها منذ بداية القرن التاسع عشر ..
فيطلب البرلمان كالعادة أن يجدد السيد الرئيس الولاية حتي نهاية عمرة ليواجه مأساة زحف الغطاء الثلجي والقادمون من أوروبا كما واجه من قبل حرب روسيا وأوكرانيا و وباء الكورونا.
و يخرج الشعب المذعور في مظاهرات تأييدا لهذا.. و توافق أمريكا وأوروبا و إسرائيل و حاملي صكوك الدين علي التجديد .. بشرط أن يخلى لهم سيادته ( فورا ) المنطقة حول مدار السرطان من محافظة قنا شمالا حتي حدود النوبة جنوبا ومن البحر الأحمر شرقا حتي المحيط الأطلسي غربا .. تستقبل فيها المختارين من الفارين من العصر الجليدى المصغر.
بعد البيعة ستتوالي أسباب التدهور و الإنهيار بسرعة ..فالمصريين لا يمتلكون الأسلحة التي تجعلهم يصمدون .. امام تغول الطبيعة .. والوادى بدون ماء .. بدون إنتاج .. بدون طعام محلي أو مستورد .. بدون ناس متفهمة و واعية .. بدون حكومة قادرة علي التصرف ..
و عندما يصل غلاف الثلج لضفاف البحر المتوسط وتتجمد الأسكندرية و العلمين سيفقد المصريون الكثير من الضحايا العزل ..ثم يزحف البرد تدريحيا نحو الدلتا يقضى علي الحياة بكل أشكالها .. فينكمش من تبقي من الناس في المساحات الدافئة التي تضيق كلما مر الوقت وتشهد صراعات ضارية بينهم .. إنها النهاية .. إنه العجز عن المواجهه .. إنه التخلف .. و الإندثار
يقول الكومبيوتر صاحب الرؤية المستقبلية . (( عندما يبدأ العصر الجليدى التالي .. سيجعل المنطقتين حول القطبين و حتي المدارين غير صالحة للحياة .. فينزح البشر من أوروبا .. إلي المساحات المدارية من إفريقيا .. و منها الصحراء الكبرى فيعمرونها ))... ((سيكون مناخ الأرض خلال عصر الجليد غير مناسب لعدد من سكان الأرض ، ومن المؤكد أنه ستكون هناك مجاعة واسعة النطاق، إلى جانب حروب أهلية، مما سيؤدي إلى هلاك غالبية الجنس البشري ))..
و هكذا سيتعلم الناجون من قسوة الزمن الجليدى..كيف يوجهون الأمطار .. في إتجاة الصحراءالكبرى . وكيف يزرعونها.... و يعمرونها بأقوام جدد .. فتبدأ بعد سنة 2040.. مرحلة جديدة من التاريخ يسكن فيها مصر كائنات عاقلة