أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - أصوات تحت الركام / الناجي














المزيد.....

أصوات تحت الركام / الناجي


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8569 - 2025 / 12 / 27 - 21:24
المحور: الادب والفن
    


حين تصمت الجدران، تتكلم الأرواح.

الناجي

​لم أكن أصرخ..
فالذين يبتلعهم الركام لا يصرخون؛ الصراخ ترفٌ يحتاج رئةً مملوءةً بالهواء، وأنا كنت أقتصد في أنفاسي كما يقتصد جنديٌّ بطلقاته الأخيرة.
​حين سقط السقف، لم أستوعب رحيل الجدران. ظننتها هزةً عابرة، كعمرنا تماماً. ثم حلَّ الصمت؛ ذلك الصمت الثقيل الذي لا يشبه السكينة، صمتٌ له مخالب تضغط على القفص الصدري. كانت يدي اليمنى تتحسس الفراغ، بينما اليسرى أسيرةُ حجرٍ لا أراه. لم أشعر بالألم وقتها، فالألم كما يبدو ضيفٌ مهذّب.. يتأخر دائماً حتى يفسح المجال للصدمة.
​من بعيد، انسلّ صوت بكاءٍ طفولي. لم أبصره، لكنّي عرفته من رجفة النبرة؛ إنه ابن الجيران الذي كان يطارد الكرة في زقاقنا ويصرخ كل مساء: "عمّو". حاولت أن أزفر بكلمة: "لا تبكِ.. أنا هنا"، فخرج صوتي هشاً كحافة زجاجٍ مكسور.
​تحت الركام، تُفتح الدفاتر القديمة بلا ترتيب. لم تزرني صور الانتصارات، بل هجمت عليَّ الندمات. الكلمات التي ابتلعتها خوفاً، المواقف التي غادرتها صمتاً "كي لا تكبر المشكلة". تذكّرت قول أبي: "الرجال لا يشتكون"، فضحكتُ في سري بمرارة.. ها أنا أشتكي للتراب، ولا أحد يسمع.
​الهواء كان ينسحب ببطء، وكأن الرئتين تتعلّمان معنى "الفقد" قبل القلب. مددت يدي الحرة في عتمةٍ مطبقة، أتحسس برودة الحصى كأنني أبحث عن دفء وجه أمي.
​وفجأة.. اخترق السكون صوتٌ غريب.
لم يكن بكاءً، بل طرقة.. معدنٌ يقبلُ حجراً. إيقاعٌ مرتبك، لكنه ينبض بالحياة. استجمعتُ بقايا الروح وهمستُ: "أنا.. هنا".
​لا أعرف إن كان الهمس قد وصل، لكنني في تلك اللحظة، ولأول مرة منذ سقط البيت، أدركتُ أن الإنسان -حتى وهو مدفون- لا يكفُّ عن الكلام، ولا يتخلى عن عادة الأمل.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصوات تحت الركام / ٢
- امرأة خارج الملف
- ما لا تُصادره الثورات
- طينٌ لا يُغتَفَر
- سيرة رجلٍ لم يعثر على صورته
- قبرٌ في الروح
- وصية لم تكتمل
- صدأ الشالجية
- خارج المتن
- عقد بلا فرح
- وصل الغرامة
- التخلّي البابلي
- شخابيط النزف الأخير
- السترة الاخيرة
- الجثة التي لا تُريد أن تموت
- غرباء في روح واحدة
- الطين الذي لا يساوم
- دماء وطين
- الجسد الذي عاد والروح التي لم تعد
- أبنة الضوء والصفعة


المزيد.....




- تضارب الروايات بشأن الضربات الأميركية في نيجيريا
- مصر: وفاة المخرج داوود عبدالسيد.. إليكم أبرز أعماله
- الموت يغيّب -فيلسوف السينما المصرية- مخرج -الكيت كات-
- مصر تودع فيلسوف السينما وأحد أبرز مبدعيها المخرج داود عبد ال ...
- -الكوميديا تهمة تحريض-.. الاحتلال يفرج عن الفنان عامر زاهر ب ...
- قضية صور ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تتدخل وتتخ ...
- إعلان بيع وطن
- أفلام من توقيع مخرجات عربيات في سباق الأوسكار
- «محكمة جنح قصر النيل تنظر دعوى السيناريست عماد النشار ضد رئي ...
- منتدى الدوحة 2025: قادة العالم يحثون على ضرورة ترجمة الحوار ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - أصوات تحت الركام / الناجي