أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - امرأة خارج الملف














المزيد.....

امرأة خارج الملف


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 08:42
المحور: الادب والفن
    


لم تكن زينب تطلب خلاصًا،
كانت تطلب أن يتوقّف الدوران.
في بيتٍ قديمٍ يطلّ على شطّ العرب، حيث يمشي الماء ببطء كأنه يحصي الخسارات، عاشت مع جبار. لم يكن زوجًا بقدر ما كان سلطةً تمشي على قدمين. اسمه وحده يكفي لفتح الأبواب أو إغلاقها، وصمته أخطر من صراخه.
حين قالت له:
— خلّيني أطلع بكرامتي
لم ينظر إليها. ابتسم ابتسامة صغيرة، ابتسامة من يعرف أن القانون يقف خلفه لا أمامه.
— الدرب هذا… ما يطلع منه أحد.
منذ ذلك اليوم، دخلت زينب في الدائرة.
محكمة شرعية في الصباح، ملف أزرق مهترئ، أختام تتراكم، وأسئلة لا تبحث عن الحقيقة بل عن ثغرة. أربع سنوات وهي تعيد القصة ذاتها، بصيغٍ مختلفة، فيما القاضي يتبدّل، والنتيجة ثابتة.
كانوا يسألونها عن خروجها، عن صبرها، عن سبب كرهها لرجلٍ «وفّر لها بيتًا».
لم يسألها أحد عن الخوف.
جبار لم يكن يحضر. كان يرسل ظله فقط.
محاميه يعرف متى يبتسم، ومتى يطلب التأجيل، ومتى يترك الجلسة تموت بلا قرار.
كل شيء محسوب… حتى تعبها.
كانت تعمل ناسخة في مطبعة صغيرة قرب العشار. رائحة الحبر أثقل من الهواء، لكنها أرحم من رائحة البيت. الحروف تحت يدها مستقيمة، لا تعرف المراوغة، بعكس حياتها. أحيانًا كان حيدر يقف قرب آلة الطباعة، صامتًا، كأن وجوده تذكير خافت بأنها ما زالت مرئية.
وفي جلسة لم تُعلن، حدث ما كانت تخشاه.
دخل ثلاثة رجال. وجوه محفوظة، أصوات جاهزة.
قالوا إنهم جيران.
قالوا إنهم يعرفونها.
قالوا ما يكفي لإسقاط امرأة.
خرج الحكم باردًا، محايدًا، كأنه تقرير طقس:
ردّ الدعوى لعدم ثبوت الضرر.
في الخارج، جلست زينب على الرصيف. الشارع مزدحم، والناس يمرّون كأن شيئًا لم يحدث. شعرت أن المدينة نفسها تشارك في الحكم، وأن الدائرة تضيق.
حين فشلت المحكمة، جاء اقتراح الإخوة:
— نروح للعشيرة.
المضيف كان واسعًا، لكن الهواء فيه خانق. الرجال يتحدثون عن «الستر»، عن «السمعة»، عن «هيبة الرجل». لم يُذكر اسم زينب إلا بوصفها مشكلة تحتاج إلى حل.
قال شيخٌ بصوت بطيء:
— ترجع لبيت زوجها، ونخلّي الأمور تمشي.
قال آخر بنبرة حادّة:
— أو نخلّصها بطريقتنا.
عندها فقط فهمت الحصار كاملًا.
المحكمة لا تريد إنقاذها.
العشيرة لا تراها.
والبيت… فخّ مغلق.
في الليل، عادت. جبار كان ينتظر.
قال دون مقدّمات:
— المرغة خلصت؟
لم تُجب.
دخلت غرفتها، أغلقت الباب، وجلست قرب النافذة. الشطّ ساكن، يعكس ضوءًا باهتًا. فكّرت أن تقفز، ثم ضحكت بمرارة. حتى الموت، هنا، يحتاج إذنًا.
في الصباح، ارتدت عباءتها. لم تحمل ملف المحكمة. لم تذهب إلى المطبعة.
ذهبت إلى الجريدة.
طلبت مقابلة المحرر. وضعت أمامه ورقة واحدة.
قالت:
— هذا نص… إذا ما نُشر، راح أرجع للدائرة.
نُشر النص بلا اسم.
امرأة تحكي عن محكمة، عن شهود، عن رجلٍ أقوى من الحقيقة.
لم يُذكر اسم جبار، لكن المدينة عرفته.
في المساء، عاد غاضبًا.
قال بهدوء ثقيل:
— لعبچ صار مكشوف.
تلك الليلة، لم تنم زينب.
وفي الصباح، خرجت… ولم تُسجَّل عودتها.
قالوا إنها سافرت.
قالوا إنها هربت.
قالوا أشياء كثيرة.
لكن الملف ظلّ ناقصًا.
والدائرة، منذ ذلك اليوم، لم تعد مغلقة تمامًا.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما لا تُصادره الثورات
- طينٌ لا يُغتَفَر
- سيرة رجلٍ لم يعثر على صورته
- قبرٌ في الروح
- وصية لم تكتمل
- صدأ الشالجية
- خارج المتن
- عقد بلا فرح
- وصل الغرامة
- التخلّي البابلي
- شخابيط النزف الأخير
- السترة الاخيرة
- الجثة التي لا تُريد أن تموت
- غرباء في روح واحدة
- الطين الذي لا يساوم
- دماء وطين
- الجسد الذي عاد والروح التي لم تعد
- أبنة الضوء والصفعة
- طفل أطفأته بغداد
- ميراث الريح


المزيد.....




- ترحيل الأفغان من إيران.. ماذا تقول الأرقام والرواية الرسمية؟ ...
- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة
- يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل
- موجة أفلام عيد الميلاد الأميركية.. رحلة سينمائية عمرها 125 ع ...
- فلسطينية ضمن قائمة أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم.. تعرف عل ...
- أفلام الرسوم المتحركة في 2025.. عندما لم تعد الحكايات للأطفا ...
- العرض المسرحي “قبل الشمس”
- اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.. احتفال باللغة وال ...
- المدير التنفيذي لمعجم الدوحة: رحلة بناء ذاكرة الأمة الفكرية ...


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - امرأة خارج الملف