أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - الجثة التي لا تُريد أن تموت














المزيد.....

الجثة التي لا تُريد أن تموت


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 22:01
المحور: الادب والفن
    


​لم يمضِ على زواج كريم وليلى سوى أسابيع قليلة. كانا يعيشان في بيت صغير تكاد جدرانه تضيء بدفء البداية. كان كريم يظن أن هذا البيت هو ملجؤه الأخير، لكن سرعان ما اكتشف أن الملاذ هو أول الأماكن التي تخذل ساكنها.

​في ليلة بدت ساكنة، عاد كريم متعبًا من عمله. فتح الباب فاستقبلته رائحة غريبة، مزيج من التراب والرطوبة. لم يكد يتقدم خطوة حتى رأى جثة رجل ممددة في وسط الغرفة، ووجهه باهت، كأن الحياة غادرته قبل دقائق معدودة.

​ركضت ليلى نحوه، لم تحاول لمس الجثة، بل أمسكت بذراع كريم بقوة غير مبررة. "كريم، لا تفعل شيئًا! ربما هو مجرد... حادث عابر. لننتظر!" توقفت، وعيناها تحملان خوفاً لم يكن خوف صدمة، بل خوف ارتباك.

​مدّ كريم يده المرتجفة يتحسس النبض، فلم يجد سوى برودة صامتة. حين التقط الهاتف، كانت ليلى تقف خلفه، تهمس بإصرار حاد: "لا داعي للمخاطرة. ربما... يغادر لوحده؟" لكنه لم يسمعها. اتصل كريم بالشرطة، وحين وصل الضباط، كان الصمت هو أول من استقبلهم. لم يجدوا شيئًا. غادروا المكان بنظرات تحمل شكًّا مهذباً، فيما كانت ليلى تراقب زوجها بصمت، عيناها تحدّقان في مكان الجثة باهتمام غريب.

​في اليوم التالي، جاء سالم، صديق كريم الأقرب. وقف في المطبخ يتظاهر بالتعاطف، لكن ليلى لم ترفع عينيها من الأرض. حين سألها كريم: "هل رأيت شيئًا غريباً بالأمس يا ليلى؟" أجابت بصوت منخفض جداً: "لم أر شيئاً، كنت خائفة ومغمضّة العينين."

​بعد يومين، حدث ما لم يتوقعه كريم؛ الجثة عادت.

​صرخ كريم بـ ليلى: "هذا هو! عاد! هذه حقيقة! هل ترين الآن؟"

تراجعت ليلى إلى الزاوية، وغطت وجهها بيديها. "اتصل بهم! بسرعة... لا يمكن أن أرى هذا مجدداً!" صرخت، لكن نبرتها كانت نبرة من يؤدي دوراً صعباً.

​عاد كريم ليتصل بالشرطة، وحين وصلوا، اختفى كل شيء من جديد.

​قضى كريم ليلته أمام المرآة. كان يعرف أنه ليس مجنوناً، لكنه لم يجد تفسيراً. ووسط انهياره، كان الشك يتسلل نحوه ببطء. كان يتذكر يد ليلى المترددة، وخوفها الذي لم يكن خوفاً من "الجثة"، بل خوفاً من الكشف.

​جاء سالم في اليوم الثالث واقترح على كريم أن "يرتاح" في المصحة. كانت الكلمات تُقال بنبرة صديق يمد يد العون، لكنها كانت محملة بما لا يسمعه إلا القلب. كان كريم مرهقًا لدرجة جعلته يصدقها، ووافق على مضض.

​وفي ليلة موحشة، شعر كريم أن عقله يوشك على الانطفاء، فهرب من المصحة.

​عاد إلى بيته وهو يلهث. لم يجد الليل فقط، بل وجد الجثة... للمرة الثالثة.

​اقترب بخوف يمتزج بيقين غريب. جثا على ركبتيه، وراقب الجثة. لاحظ ساعة الرجل الجديدة، ثم تمدد على الأرض ليراقب الجثة من الأسفل. رأى قدميه تتحركان حركة طفيفة لا إرادية.

ضغط كريم على كتف الرجل فجأة.

ارتعد الرجل، وفتح عينيه وهتف بتعب: "آخ! أخبرتهم أن هذا آخر يوم أقوم فيه بهذا العمل. والله تعبت من التظاهر بالموت!"

​تراجع كريم، لكنه هذه المرة لم يصرخ. بل همس بغضب بارد: "تعبت؟ ومن الذي أحضرك لبيتي؟ تكلم!"

​اعترف الرجل بكامل الخدعة، وسالم هو من استأجره ليدخل كريم المصحة، و "الباقي عليه".

​وفي اللحظة ذاتها، فُتح الباب ببطء.

​كانت ليلى واقفة، يدها على المقبض، تتنفس بقلق، وخلفها سالم.

​رأت ليلى الرجل جالساً وكريم يقف أمامه. تجمدت ملامحها، وعيناها تحولتا إلى بحيرة من الدموع والتوسل. لم تكن هذه نظرة الشريك المنتصر، بل نظرة الأسير الذي انكشف أمره.

​أما سالم، فارتفعت ضحكة خافتة منه، ثم قال موجهاً كلامه لـ ليلى بانتصار:

"يا خسارة يا ليلى، كنتِ على وشك التحرر. لا بأس... لعلنا نجد طريقة أخرى للتخلص منه."

​تجمدت ملامح ليلى نهائياً. سالم لم يحاول حتى إنكار التهمة، بل أشار إليها بشكل مباشر.

​نظر كريم إلى سالم نظرة قاسية لم يرها أحد من قبل. ثم حوّل بصره إلى ليلى.

​"لماذا؟" كانت كلمة واحدة خرجت بصوت ميت، لكنها حملت ثقل كل ليالي الشك والخوف.

​أجابت ليلى بدموع، وعيناها مثبتتان على الأرض: "هو... هو يمتلك دليلاً قديماً ضدي، كريم. كان يهددني بأن يدمرنا، أنا وأنت. قال لي إما أن أشاركه... وإما أن يكشف كل شيء."

​لم تحدد ليلى ماهية "الدليل"، لكن الإجابة كانت كافية. لم تعد جثة تموت وتختفي، بل حقيقة ماتت وظهرت. خيانة ليلى لم تكن حباً لسالم، بل خوفاً من ماضيها الذي لم يمت.

​كان البيت ساكنًا، والهواء نفسه ينتظر الحكم الذي سيصدر عن صمت كريم.

​لم يتكلم أحد.

​الآن... أيّهم سيبقى؟

كريم... مع عبء الحقيقة وعبء ماضي ليلى الغامض الذي لم يُكشف بعد؟ أم ستختفي ليلى وسالم هذه المرة... تاركين الجثة الحقيقية وهي قلب كريم؟



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غرباء في روح واحدة
- الطين الذي لا يساوم
- دماء وطين
- الجسد الذي عاد والروح التي لم تعد
- أبنة الضوء والصفعة
- طفل أطفأته بغداد
- ميراث الريح
- أنسحاب الضوء
- على ضفة نهر العشار
- ظلّ عند بوابة الشقائق
- ظل سمر
- خطيئة السابع عشر
- الهروب .... وعودة الروح
- ريح الحنوب في قلب المستنصرية
- الظلّ الذي قتل الحُب
- غيلةُ الروح
- حين تعبر الريح مزرعة الحمّاد
- أنين الدار
- ​همسة الخلاص: الظل الثالث في السعدون
- الزهور التي تكذِب


المزيد.....




- غمكين مراد: الرُّوحُ كمزراب
- مصر: مبادرة حكومية علاج كبار الفنانين على نفقة الدولة
- رحلة العمر
- حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
- مهرجان -البحر الأحمر السينمائي- يكرم هند صبري بالشراكة مع غو ...
- فيلم -الملحد- يُعرض بدور السينما المصرية في ليلة رأس السنة
- كابو نيغرو لعبدالله الطايع: فيلم عن الحب والعيش في عالم يضيق ...
- -طفولتي تلاشت ببساطة-.. عرائس الرياح الموسمية في باكستان
- مسابقة كتابة النشيد الوطني تثير الجدل في سوريا
- جواد غلوم: حبيبتي والمنفى


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - الجثة التي لا تُريد أن تموت