أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ظلّ عند بوابة الشقائق














المزيد.....

ظلّ عند بوابة الشقائق


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 09:54
المحور: الادب والفن
    


​كان الصباح في السعدون يشبه قصيدة نصفها مكتوب ونصفها ينتظر الحروف.

​وأمام مدرسة الشقائق الابتدائية المختلطة، كان محمود يقف بسيارته الصفراء مثل نقطة ضوء لا تُطفئها الفصول. كانت عيناه تلمحان زوايا المدرسة، وخطيبته بشرى، التي تعمل في مستوصف قريب، كانت قد أرسلت له رسالة صباحية قصيرة: "أتمنى لك نهاراً هادئاً، لا تدع ضوضاء المدينة يخترقك."

​ينزل الأطفال بابتسامته الهادئة… ابتسامة تخفي خلفها إرهاق الأيام وصبرها الطويل. كان محمود خريج كلية، وسيماً، مهذبًا، يحمل ثقافةً لا تُرى وقلبًا لا يعرف من الدنيا إلا بشرى.

​أما المعلمة نرجس، فكانت تراقبه من نافذة الصف، تتعلق به كما يتعلق الليل بآخر فوانيسه. لم تكن سيئة، لكنها امرأة أتعبها الفراغ، وأطفأت الوحدة ما تبقى من دفء قلبها.

​في إحدى الاستراحات، سمعت المعلمتان سناء وابتسام حديثًا جانبيًا قرب باب الإدارة:

​– "أبدًا… الست نرجس مو طبيعية هالأيام. تركت تدريسها وبس تباوع للساحة."

– "أظن حبّت السايق."

– "سايق؟ بس هو مو شكل سايق… ولد مثقف ومؤدّب. شفت بعينه مرة نظرة كأنو يفكر بشي أهم من الدنيا كلها."

​وصلت الكلمات إلى أذن نرجس فوجدت نفسها أضعف مما ظنّت.

​ذات صباح، اقتربت نرجس من محمود:

​– "أستاذ محمود… لو عندك فراغ، تقدر توصلني للبيت اليوم؟ عندي حاجة ضرورية."

ابتسم بأدب وقال وهو يمسك هاتفه كأنما يستعد لإجراء اتصال:

– "والله آسف ست نرجس… عندي موعد ويه خطيبتي. لازم أروح الها بوقت محدد."

​انكسرت تلك الجملة في داخلها، كأنها حجر رُمي في بئرٍ جاف.

​أما سعد، التاجر الميسور، فكان يتابع المشهد بعينٍ تشتهي السيطرة. وحين رأى نرجس تميل نحو محمود، اشتعلت غيرته، غيرته التي كانت ترى كل شيء جميل في المدينة ملكاً لها بحكم ماله.

​وقف أمام محمود متعاليًا:

​– "إسمع لك… لا تلعب بالنار. عوف الست. أنت مجرد سايق سيارة تكسي وأنا مسؤول عن هالمنطقة كلها."

– "أنا ما ألعب… ولا أنتمي للدخان حتى أُطفأ."

​فاشتعل سعد غضبًا، ودفعه بقوة، فاندلعت مشاجرة صاخبة أمام المدرسة. وبرغم رجاله، سقط سعد أرضًا، فازداد حقده وتوعد.

​ذلك المساء، جلس محمود على حافة حديقة قرب جسر الجمهورية ، حين جاءت بشرى بخطوات خفيفة. جلست إلى جانبه، وقالت وهي ترى الخد المجروح:

​– "محمود… وجهك يوجعني أكثر من وجعك."

– "جرح ويروح."

– "الجرح الحقيقي… مو هنا." (وضعت يدها على صدره) "هنا… أحسّه موجوع. حسّيت من صوتك الصبح إنو في شي مو زين صار وياك."

​تنهد وقال:

– "اليوم حسّيت الدنيا ضيكة… بس وجودج يخليها تِتّسع."

ابتسمت بحنان:

– "إذا ضاقت… نوسعها سوه. وإذا ضايكوك… أوكف يمّك.

أنت مو الرجل اللي أحبّه بس…

أنت الرجل اللي يطمئن قلبي من يختلّ العالم."

​كان كلامها مثل ضوء يلتئم معه أي شرخ في الروح.

​في اليوم التالي، استدعته المديره. دخل فوجد سعد واقفًا بخجلٍ لم يتوقعه، ونرجس تبكي في زاوية المكتب.

​اعترف سعد بكل ما فعل، وبتأثير كلمة من المديره، أقرّ بأنه كان مدفوعاً بالغطرسة أكثر من أي شيء آخر.

​ونطقت نرجس بصوتٍ مكسور:

– "سامحني… الوحدة تذلّ الإنسان، وأنا… كنت أبحث عن ضوء لي، لكنّي نسيت أنك ضوء لشخص آخر… ضعفت."

​نظر إليها محمود نظرة خالية من القسوة:

– "الله يسامح الجميع… بس خلّوا كل واحد يعيش براحته. وبعض الأضواء ما تنطفي أبداً."

​خرج من الإدارة، رفع رأسه نحو سماء بغداد، وأحس بنسمةٍ تمر كأنها تربت على كتفه.

​اتصل ببشرى وقال:

– "حياتي… جاهزة نكتب كتابنا؟ أريد أُكمل الشيء الحلو الوحيد الباقي في هذا العالم."

ردت بصوتٍ دافئ:

– "صار لي شهور أجهّز قلبي لهاليوم."

​وتحرك بسيارته بين شوارع السعدون، بينما كانت نرجس تقف عند بوابة المدرسة، تدرك بصمت أن القلوب التي خُلقت للضوء… لا تستطيع الظلال مهما امتدت أن تحجب شمسها.

​فأدركت أن بعض العواطف تولد خطأ، وبعض الأحلام تُدفن قبل أن تنطق، وأن النسيان ليس محوًا… بل قبولًا بأن ما لم يكن لنا، لم يكن يومًا مقدّرًا أن يكون، وأن الوحدة أحياناً أقسى عقاب نضعه على قلوبنا.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل سمر
- خطيئة السابع عشر
- الهروب .... وعودة الروح
- ريح الحنوب في قلب المستنصرية
- الظلّ الذي قتل الحُب
- غيلةُ الروح
- حين تعبر الريح مزرعة الحمّاد
- أنين الدار
- ​همسة الخلاص: الظل الثالث في السعدون
- الزهور التي تكذِب
- رسالةٌ وصلت متأخرة
- جراخ الازقة
- ذكرياتٌ من طُشّارِ العُمر
- بين السماء والأرض
- ذكريات راحلة
- مقهى عند شطّ العرب
- راديو أم خزعل
- جبار البنّاي… آخر حراس الطين
- عدسة مكسورة
- الكشك الأخير


المزيد.....




- المسرحيون يعلنون القطيعة: عصيان مفتوح في وجه دولة خانت ثقافت ...
- فيلم -أحلام قطار-.. صوت الصمت في مواجهة الزمن
- مهرجان مراكش: الممثلة جودي فوستر تعتبر السينما العربية غائبة ...
- مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة يصدر دليل المخرجات السينمائي ...
- مهرجان فجر السينمائي:لقاءالإبداع العالمي على أرض إيران
- المغربية ليلى العلمي.. -أميركية أخرى- تمزج الإنجليزية بالعرب ...
- ثقافة المقاومة: كيف نبني روح الصمود في مواجهة التحديات؟
- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...
- روبيو: المفاوضات مع الممثلين الأوكرانيين في فلوريدا مثمرة
- احتفاء مغربي بالسينما المصرية في مهرجان مراكش


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ظلّ عند بوابة الشقائق