أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - عدسة مكسورة














المزيد.....

عدسة مكسورة


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 22:56
المحور: الادب والفن
    


"حين يرمّم الضوءُ ما تكسره الحياة"

لم تكن وسن مجرد فتاة تحمل كاميرا قديمة في شارع المتنبي؛ كانت روحًا تُصلِح ما لا يراه الناس. تجلس كل صباح على كرسي خشبي مهترئ، تلتقط الصور للراغبين أمام النخلة والتمثال، وتتقاضى ألف دينار فقط. تخرجت من أكاديمية الفنون الجميلة وهي تحلم أن تكون مصورةً صحفية، لكن الحظّ تركها تحمل كاميرا أكل عليها الزمن، وعدسةً مشروخة ترى من خلالها العالم نصف واضح… ونصف موجوع.
كانت تنظر عبر الشقّ الرفيع وتقول لنفسها:
"الناس تتشقق من الداخل… بس تظل تبتسم."
على بُعد خطوات منها، كان يعمل شاب هادئ اسمه خليل، يبيع الكتب المستعملة. كان زميلها في الكلية، ذلك الذي كان يكتب الشعر على دفاتر المحاضرات ويخفي ارتباكه خلف نظارة سميكة. لم يعترف لها يومًا بشيء، لكنها كانت تشعر أن شيئًا ما كان عالقًا بينهما… مثل جملة ناقصة.
بعد التخرج افترقا، ثم التقيا مجددًا في المكان ذاته الذي يجمع كل المكسورين: شارع المتنبي.
كان يراقبها من بعيد، يلاحظ رقتها وهي تلتقط الصورة، وارتجاف أصابعها حين تُصلح الكاميرا. لم يقترب. كان ينتظر لحظة لا يعرف متى تأتي.
ذات صباح جاء عجوز يحمل صورة قديمة باهتة لامرأة. قال بصوت يتكسّر عند نهايات الجمل:
"هاي زوجتي… الله يرحمها. أريدها جديدة، لو تكدرين."
ارتجفت وسن. الصورة تشبه أمَّها التي رحلت قبل عام.
كأن القدر أراد أن يختبر جرحها من جديد.
جلست تعمل لساعات طويلة. صحّحت الألوان، رمّمت التجاعيد بلمسات خفيفة، وكأنها لا تعيد الحياة إلى ورقة… بل إلى ذاكرة كاملة.
كان خليل يراقب التعب على وجهها، يريد أن يقول كلمة مواساة، لكنه يكتفي بالصمت.
عندما سلّمت العجوز الصورة، بكى بحرقة قائلاً:
"رجّعتي شبابي… الله يسهّلچ يا بنتي."
انتشر الخبر سريعًا.
قالوا: "عدستها مكسورة… بس قلبها يصلّح الدنيا."
وازدادت زحمة الناس حولها، وازدادت معها علل الكاميرا.
الشقّ الصغير اتسع… ثم اهتز… ثم انطفأت الكاميرا نهائيًا.
جلست وسن في ذلك اليوم على كرسيها صامتة.
كانت تشعر أن العدسة ليست وحدها التي انكسرت… جزء منها انطفأ معها.
اقترب خليل خطوةً، ثم تراجع.
التردد القديم يشدّه إلى الخلف. لم يعرف كيف يمدّ يده… وكيف يبدأ.
في صباح جمعة، وجدت صندوقًا صغيرًا على كرسيها.
مغلفًا بعناية، وعليه ورقة قصيرة:
"إلى وسن… التي أصلحت صورنا… وقلوبنا."
فتحت الصندوق…
كاميرا جديدة. حديثة. لامعة.
شيء يتجاوز قدرتها، ودخلها، وأحلامها الصغيرة.
بحثت عن اسم… لا شيء.
تلفّتت حولها، فلم تجد أحدًا.
لكن عينيها وقعتا على خليل يقف عند بسطته، يشيح وجهه ثم يعود لينظر.
لم يكن في نظرته اعتراف…
كان فيه كل ما لم يُقَل يومًا.
هل هو صاحب الهدية؟
هل كانت من أحد الذين رممت ذكرياتهم؟
لم تعرف… ولم تبحث.
المهم أن الحياة أعطتها تلك الإشارة الصغيرة بأن القلوب التي تُرمَّم… لا يضيع أجرها.
رفعت وسن الكاميرا الجديدة، نظرت في عدستها، شعرت أن الرؤية لم تعد مشروخة.
ابتسمت.
التفتت نحو خليل، فابتسم هو الآخر بخجل… يشبههما هما الاثنين: بسيط، خجول، ومؤجّل.
وقالت وهي تلتقط أول صورة:
"الدنيا يمكن تتشقق… بس أكو ناس تلّمها من جديد."
وعاد الشارع يراها، لا كمصوّرة فقط؛
بل كروحٍ صغيرة تلتقط الضوء… من أكثر الأماكن ظلمة.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكشك الأخير
- باب الدفترجي
- عود علّي
- ديوان تراتيل الفقد / ٣
- ديوان تراتيل الفقد / ٢
- ديوان تراتيل الفقد / ١
- المقهى الأخير
- حِذاءُ كريم
- بائعة الساعات
- سجّان بلا مفاتيح
- صوت الطاحونة القديمة
- دعاء الكروان عند باب الغياب
- ظلّ تحت الجسر
- سارة
- يا راحلتي — نورٌ لا ينطفئ
- طيور السطح
- العراق بين حلم الدولة المدنية وواقع المحاصصة
- بيت الزجاج
- لم يعد… لكنه عاد
- قاربٌ من الطين


المزيد.....




- تايلور سويفت تتألق بفستان ذهبي من نيكولا جبران في إطلاق ألبو ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- حوارية مع سقراط
- موسيقى الـ-راب- العربية.. هل يحافظ -فن الشارع- على وفائه لجذ ...
- الإعلان عن الفائزين بجائزة فلسطين للكتاب 2025 في دورتها الـ1 ...
- اكتشاف طريق روماني قديم بين برقة وطلميثة يكشف ألغازا أثرية ج ...
- من الجو..مصور يكشف لوحات فنية شكلتها أنامل الطبيعة في قلب ال ...
- التمثيل الشعري للذاكرة الثقافية العربية في اتحاد الأدباء
- الكوتا المسيحية: خسارة ريان الكلداني وعودة الجدل حول “التمثي ...
- مؤرخ وعالم آثار أميركي يُحلل صور ملوك البطالمة في مصر


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - عدسة مكسورة