نعمة المهدي
الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 02:31
المحور:
الادب والفن
لم يكن رحيلكِ انطفاءً، بل امتدادًا.
ولم يكن غيابكِ غيابًا، بل مقامًا استقرَّ في أعماق القلب ولم يبرحه.
يا راحلتي…
يا امرأةً ما زال الدفء يحمل اسمها، وما زالت الخطواتُ التي تركتها في البيت تصنع للروح معنى العودة…
أكتب إليكِ الآن لا لأستعيدكِ، فأنتِ لم تغادري،
ولكن لأقول إن الحبَّ الذي أحببتكِ به لم يعرف نهاية،
ولا هدنة،
ولا فتورًا.
كنتِ بيتي الذي لا جدران له إلا حنانكِ،
ولا سقف له إلا سكينة حضوركِ.
كنتِ طُمأنينة الأيام إن ضجَّت،
وسند القلب إذا أرهقته الدنيا.
وما فقدتكِ يوم احتواكِ الثرى،
بل فقدتُ القدرة على الاعتياد بعدك.
يا حبيبة العمر…
شهدتُ فيكِ صبرًا لا يشبه صبر البشر؛
كنتِ تقفين أمام المرض كمن يحمي وطنًا،
لا جسدًا منهكًا.
كان ألمكِ كثيرًا،
ومع ذلك كنتِ تبتسمين،
وتقولين لي بصوتٍ خافت:
«لا تخف… أنا معك.»
وأنا…
ما خفتُ إلا بعدك.
اليوم،
أدخل المقبرة كما يدخل المرء بيته الأول،
وأمشي نحوكِ كما يمشي الغريب إلى وطنٍ يعرفه قبل أن يراه.
أجلس عند شاهدكِ،
أضع كفّي على التراب الذي يحتضنكِ،
وأحدّثكِ كما كنتِ تحبين:
بصوتٍ هادئ لا يعرف الكذب،
وبقلبٍ ما زال يخبئكِ كما يخبئ المسافر ملامحَ بلده في صدره.
أنا لا أزوركِ.
أنا أعود إليكِ.
أعود إلى الذي كنتِه لي:
سكَنًا،
وطمأنينة،
ويومًا كاملاً كان يبدأ من ابتسامتك.
أحبكِ…
لا حبّ ذكرى،
ولا حنينٍ عابر،
بل حبًّا ثابتًا لا يزول،
حبًّا يشهد الله عليه،
وتعرفه الصلاة،
ويحفظه الدعاء،
وتشهده السور التي أهديها لكِ كل يوم.
وأشهد الله،
الذي وسعت رحمته كلَّ شيء،
أن ما بيني وبينك نورٌ لا ينطفئ.
لا في الدنيا،
ولا في أول منازل الآخرة،
ولا حين يجمعنا الله في دارٍ لا وداع بعدها.
وإلى أن يجمعنا الله…
أنا ها هنا،
أذكرك،
وأحبك،
وأمضي بك،
لا عنك.
هذا انا رجلٌ أحبَّ حتى آخر الأنفاس، ولم يضعف قلبه حين ابتُلي بالفقد، بل ازداد رسوخًا.
حمل زوجته الراحلة في دعائه وصلاته وقراءته للقرآن، وظلَّ وفيًّا لوعدٍ لم يُكتب على الورق،
بل كُتِب في القلب.
كتبه :
الحاج ، الذي ما زال نصفه معها.
#نعمة_المهدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟