أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ظل الصباح














المزيد.....

ظل الصباح


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 16:02
المحور: الادب والفن
    


لم يكن فجر ذلك اليوم كبقية الأيام.
انشقّ صمت الحيّ الشعبي في بغداد على صرخة امرأة تمزق القلب:
"بنتي بريئة… والله بريئة يا ناس!"
ركض الجيران نحو بيت الحاج "صالح"، فوجدوا "زينب" ممددة على أرض الفناء، والدم يسيل من صدرها كخيط أحمر على بلاط قديم.
في الزاوية، كانت أمها تصرخ وتضرب صدرها، بينما وقف الأب مذهولاً، وجهه جامد كصخرة لا تعرف البكاء.
قبل تلك الليلة بأيام قليلة، كانت زينب تعيش حياة هادئة في كلية التمريض بجامعة بغداد.
فتاة خلوقة، مؤدبة، يعرفها زملاؤها بانطوائها وابتسامتها الهادئة.
تخرج صباحًا، تحمل كتبها وتعود قبل الغروب، لا يعرف عنها الجيران إلا الخير.
لكن كلمة واحدة كافية لتشعل النار في مجتمع سريع الأحكام.
بدأت الهمسات تنتشر:
ـ "شايفينها تحچي بالتلفون؟"
ـ "يگولون عدها علاقة ويه طالب بكلية الطب."
ـ "الله يستر، سمعة أهلها طيبة، بس الدنيا تغيّرت!"
تسلل الكلام إلى المقاهي، إلى الدكان، حتى وصل أذن الأب.
وفي إحدى الأمسيات، عاد إلى بيته وملامحه تشتعل غضبًا.
دخل البيت وصاح:
ـ "زينب! تعالي لهنا."
خرجت بخوف، وهي تمسك بكتابها، وقالت بهدوء:
ـ "نعم بابا ؟"
اقترب منها وصوته يرتجف:
ـ "منو هذا اللي يحچي وياچ بالتلفون؟"
أجابت باستغراب :
ـ "زميل بالكلية، سألني عن موضوع المحاضرة."
صرخ شقيقها الأكبر "حيدر":
ـ "إي عذر! الناس حچت، والعار ما يغسله غير الدم!"
تدخلت الأم باكية، تمسك بيد زوجها:
ـ "صالح! لا تصدگ الناس، بنتك بريئة والله. أنا أعرفها… من بيتها للكلية، ومن الكلية لبيتها!"
لكنه دفعها بقسوة وهو يهتف:
ـ "الناس ما ترحم، واسم العائلة أهم من كل شي!"

في تلك الليلة، لم تنم الأم. جلست قرب ابنتها تمسح شعرها وتقول:
ـ "يمّه لا تبچين، الله كريم، أبوچ يهدأ."
ابتسمت زينب بعينين دامعتين:
ـ "يمّه، هو يعرفني، بس الدنيا صايرة كلها شك."
لكن الفجر حمل الغدر.
استيقظت الأم على صوت صراخ، فركضت لتجد ابنها الأكبر يوجه البندقية نحو أخته.
صرخت:
ـ "حيدر لا! والله بريئة!"
لكن الرصاصة كانت أسرع من توسلاتها.
سقطت زينب بين يدي أمها، تهمس بصوت متقطع:
ـ "يمّه… لا تزعلين."
وانطفأ النور من عينيها.

وصلت الشرطة بعد بلاغ من الجيران الذين سمعوا الطلقة.
كانت الجثة ملفوفة ببطانية، والدم ما زال طريًا.
وقف الأب واجمًا، لا يقوى على الكلام، بينما الأم تهذي وتردد:
ـ "ذبحتوها ظلم… بنتي ما سوت شي!"
المحقق سأل الأب:
ـ "منو أطلق النار؟"
لم يجب، لكن نظراته ذهبت نحو ابنه.
اعترف حيدر وهو يبكي:
ـ "آني سويت… الناس حچت علينا، وما تحملت."
فقال الضابط بغضب:
ـ "قتلت أختك على حچي الناس؟"
خفض رأسه وقال:
ـ "ظنيت أسكتهم."
فأجابه الضابط:
ـ "السكوت ما يجي بالدم، يجي بالحق."
تم القبض على الأب والابن معًا، وأُرسلت الجثة إلى الطب العدلي.

في نفس اليوم ، انتشر الحزن في الحيّ كالدخان.
قال الجار أبو مروان:
ـ "والله ما شفنه منها غير الأدب… بنت خلوقة، تاخذ طريقها وتجيب طريقها، ما سامع منها لا صوت ولا غلط."
وردّت امرأة مسنّة:
ـ "الله لا يسامح كل لسان ظلمها، كسروا بيتهم بكلمة."
أما أمها، فكانت تجلس عند الباب تبكي بصوت منخفض:
ـ "يا ناس، ماحجيت غير كلمة حق… بس محد سمعني."

بعد أيام، صدر تقرير الطب العدلي، يحمل الحقيقة التي كانت الأم تصرخ بها منذ البداية:
"الفتاة عذراء، لم تتعرض لأي اعتداء، ولا توجد مؤشرات لأي علاقة غير شرعية."
حين قرأ الضابط التقرير، ألقى القلم بغضب وقال:
ـ "دم بريئة ضاع بكلمة!"

أُحيل الملف إلى المحكمة، وجلس الأب والابن في قفص الاتهام.
القاضي سأل الابن:
ـ "هل كنت تملك دليلاً على ما سمعت؟"
قال بصوت متهدج:
ـ "لا، بس الناس قالوا…"
قاطعه القاضي بقسوة:
ـ "الناس مو محكمة! الدين ما يبيح القتل بالشبهة. القانون يعاقبك بالإعدام شنقًا حتى الموت."
ثم التفت إلى الأب:
ـ "وأنتَ، بموافقتك وسكوتك على الجريمة، تتحمل جزءًا من المسؤولية القانونية والأخلاقية. المحكمة تحكمك بالسجن المؤبد."
بكت الأم حين سمعت الحكم، لا لأنهم عوقبوا، بل لأن العدالة جاءت بعد فوات الأوان.

بعد ثلاثة أيام من صدور تقرير الطب العدلي، سُلِّم الجثمان إلى العائلة ليدفنوها في مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف .
رافقت الأم الجثمان وهي تهمس:
"قالوا عنها كل شيء… بس ما قالوا إنها ملاك."
عند القبر، جلست بعد الدفن تقرأ سورة يس، ثم وضعت وردة بيضاء فوق التراب الرطب، وقالت:
"هيچ تليق بيچ… بيضاء مثل قلبچ."
رفعت رأسها نحو السماء وأضافت بصوت خافت:
"هسه الله وحده يعرف الظالم من المظلوم."

وفي اليوم التالي، كتب أحد شباب الحي بخطّ أسود على جدار بيتهم:
"هنا ماتت زينب… لكن بقيت الحقيقة حية."



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملفد ١٩٥٤ / ظل الجسر
- مقهى على دجلة
- كرسيٌّ فارغ… ووردةٌ على الطاولة
- مرثيّة الظلّ البعيد
- عزاء في الأزقة
- وصيّة في باص مزدحم
- رائحة الخبز في بغداد
- ساعة لا تدقّ
- مقعد في قاعة الانتظار
- حُلْمٌ يُحاكَمُ في اليقظة
- كلية واحدة للحب
- مرثيَّةُ الرُّوحِ الغائبة
- الطريق الى المخيم
- رسالة لم تُسلَّم
- ذاكرة التيار
- الفستان
- حذاء صغير عند العتبة
- ليل المستشفى
- رسائل لم تصل
- صوت المطر على المظلة المعدنية


المزيد.....




- -أتذوق، أسمع، أرى- لـ عبد الصمد الكبّاص...
- مصطفى محمد غريب: خرافات صنع الوهم
- مخرج إيراني يفوز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان باكو السينمائي
- لسهرة عائلية ممتعة.. 4 أفلام تعيد تعريف الإلهام للأطفال
- محمود الريماوي.. قاصّ يمشي بين أريحا وعمّان
- مهرجان الناظور لسينما الذاكرة المشتركة في دورة جديدة تحت شعا ...
- جولات في الأنفاق المحيطة بالأقصى لدعم الرواية التوراتية
- الثقافة والتراث غير المادي ذاكرة مقاومة في زمن العولمة
- الروائي الفلسطيني صبحي فحماوي يحكى مأساة النكبة ويمزج الأسطو ...
- بعد تشوّهه الجسدي الكبير.. وحش -فرانكشتاين- يعود جذّابا في ا ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ظل الصباح