أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - كلية واحدة للحب














المزيد.....

كلية واحدة للحب


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 13:00
المحور: الادب والفن
    


ليس الحب وعدًا باللقاء، بل استعدادٌ خفيٌّ للفناء.
هناك مَن يُحبّ ليعيش، وهناك من يُحبّ ليموت…
وبينهما يقف القدر، يختار لمن يمنح النبض، ولمن يسلبه ليمنح غيره الحياة.
ففي حيٍّ شعبيٍّ من بغداد، كان علي شابًّا وسيمًا يعرفه الجميع بابتسامته الهادئة وحضوره الطيّب.
طالب في كلية الآداب، يكتب الشعر خلسةً، ويقرأه على ضوء مصباحٍ صغير في ليالي الصيف.
كلّ من حوله يعرف سرّه، إلا التي كتب لأجلها أجمل قصائده… سوسن.
كانت سوسن تسكن على مقربةٍ من بيته، طالبةً في نفس الجامعة ولكن بكلية أخرى .
فتاةٌ رقيقةٌ كغصنٍ يابسٍ يكاد يُكسر بنسمة.
أحبّها عليّ بصمت، وسعى نحوها بخطواتٍ مترددة، كمن يخشى أن يُفزِع الحلم.
وذات مساء، التقاها في كافتيريا الكلية .
جلست أمامه، كوب الشاي يرتجف في يديها.
قال علي بخجلٍ صادق:
– "سوسن، صارلي فترة أفكر، يمكن كلامي ما يعجبچ، بس أني أحبچ."
سكتت لحظة، ثم قالت بصوتٍ مبحوح:
– "علي، لا تورّط نفسك... أني مريضة."
– "مريضة بشنو؟"
– "عندي فشل كلوي، وأغسل دمي مرتين بالأسبوع... وأهلي ما عدهم قدرة يشترون كلية."
نظر إليها طويلاً، ولم يقل شيئًا.
كان في عينيه حزنٌ لم تعرف معناه بعد.
مرّت أيامٌ قليلة، وسوسن لم تأتِ إلى الكلية.
سأل عنها زملاؤها، فقيل إنها أُدخلت المستشفى.
وفي ذات الوقت، اختفى عليّ فجأة.
لا أحد يعرف أين ذهب، ولا حتى أصدقاؤه.
قال بعضهم:
– "يمكن سافر."
وقال آخرون:
– "يمكن زعل منها."
لكن الحقيقة كانت أعمق من كلّ ظنونهم.
بعد أسبوع، استيقظت سوسن في سرير المستشفى.
كانت متعبة، لكنها تشعر بنبضٍ جديدٍ يسري في جسدها.
الأطباء بشّروها:
– "الحمد لله، العملية نجحت. جسمچ تقبّل الكلية."
سألتهم بخوف:
– "منو المتبرع؟"
ابتسم الطبيب وقال:
– "متبرع مجهول."
لم تفهم، لكنها فرحت بالنجاة.
بعد يومين، جاء زملاؤها لزيارتها، وانهالت عليها الباقات والابتسامات… إلا أن عليّ لم يأتِ.
كانت تسأل نفسها كل ليلة:
"ليش علي ما إجاني؟ نسى؟ ضجر؟"
بعد خروجها من المستشفى بأسابيع، جلست ذات صباحٍ مع زميلتها ليلى في الكافيتريا.
كانت تتحدث بصوتٍ خافت:
– "ليلى، تتذكّرين علي؟ اختفى، ولا زارني بالمستشفى."
تردّدت ليلى، ثم قالت وهي تطرق رأسها:
– "سوسن، أرجوج لا تسأليني أكثر."
– "ليش؟ تعرفين شي عنه؟"
رفعت ليلى عينيها المبللتين وقالت بصوتٍ مكسور:
– "علي ما سافر... علي تبرّع لج بكلية من عنده، ومات أثناء العملية."
شهقت سوسن كمن ضُرب في صدره، وارتجفت يداها.
– "شنو؟! علي مات؟!"
– "إي، مات... ووصّى الطبيب ما يذكر اسمه. گال: لتعرف سوسن، لتعرف، حتى تعيش بسلام."
سقطت دموعها كالمطر، وانفجرت بالبكاء حتى أغمي عليها.
أعادوها إلى المستشفى، وهناك قال الطبيب بقلق:
– "النوبة العاطفية أثّرت على حالتها، لازم ترتاح."
مرّت أشهر.
في صباحٍ غائم، خرجت سوسن برفقة ليلى إلى المقبرة الواقعة عند أطراف المدينة.
كانت السماء رمادية، والريح باردة.
وقفتا أمام قبرٍ بسيطٍ لا يحمل سوى لوحة صغيرة مكتوب عليها:
علي مهدي. 1999–2019
وضعت سوسن وردةً بيضاء على التراب، ومعها ورقةً صغيرة كتبت فيها بخطٍ مرتجف:
"شهيدُ الحبِّ العذريّ."
جلست عند القبر طويلاً، تحدّثه كأنه يسمعها:
– "ليش يا علي؟ ليش خليتني أعيش بدالك؟ ما أگدر..."
ثم أجهشت بالبكاء، حتى انطفأ المساء فوق المقبرة.
مضت سنتان.
كانت سوسن قد أنهت دراستها بشقّ الأنفاس، وتزوّجت رغم مرضها، محاولةً أن تبدأ حياةً جديدة بعيدًا عن ظلّ الفقد.
رزقت بطفلٍ صغير سمّته عليًّا، تيمُّنًا بحبيبها الراحل، كأنها تُعيد للحياة ما أخذته منها.
لكنّ صحتها بدأت تضعف مجددًا، وعادت إلى المستشفى ذاته الذي مات فيه عليّ.
كانت ليلى بجانبها هذه المرّة ايضا ، تمسك يدها في صمتٍ موجع.
قالت سوسن وهي تبتسم رغم الألم:
– "ليلى... گولي لعلي إذا شفته... أني ما تأخرت... بس الطريق طويل."
بعد ساعات، توقّف جهاز المراقبة عن النبض.
رحلت بهدوءٍ كما رحل هو، في المستشفى ذاته، وفي الغرفة ذاتها التي شهدت تضحيته.
في صباح اليوم التالي، شيّعها زملاؤها، وعدد من الأساتذة، وفي مقدّمتهم ليلى التي وضعت على نعشها وردةً بيضاء…
نفس الوردة التي تركتها يومًا على قبر شهيد الحب العذري.
وهي تتمتم .
"كنتُ شاهدةً على هذه القصة من أول سطرٍ إلى آخر تنهيدة.
رأيتُ عليًّا يموت ليمنحها الحياة، ورأيتُ سوسن تُعيده إلى الدنيا على هيئة طفلٍ يحمل اسمه.
تعلّمتُ منهما أنَّ بعض الأرواح لا تموت، بل تتناسل من رحم الحبّ الصادق.
في كل مرةٍ رأيت فيها الطفل الصغير “علي”، كنتُ أشعر أنّ الأب الذي ضحّى ما زال حيًّا بيننا... في نظراته، في ابتسامته، في دمه الذي يجري من جديد.
وهكذا فهمتُ أخيرًا: أنَّ الحبّ الحقيقي لا يكتبه اثنان، بل يكتبه القدر حين يرى قلبين يستحقان الخلود."



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرثيَّةُ الرُّوحِ الغائبة
- الطريق الى المخيم
- رسالة لم تُسلَّم
- ذاكرة التيار
- الفستان
- حذاء صغير عند العتبة
- ليل المستشفى
- رسائل لم تصل
- صوت المطر على المظلة المعدنية
- السماء المفتوحة
- غروب في المقبرة
- مذكّرات قائد فرقة عسكرية / ١
- أنابيب ضائعة
- دم الشهيد بين المكاتب
- تأملات راحل
- الجامعة وجرح لا يندمل
- بين البندقية والباسون
- ذكريات لا تُنسى / ٣
- ذكريات لا تنسى / ١
- ذكريات لا تُنسى / ٢


المزيد.....




- عامان على حرب الإبادة في غزة: 67 ألف شهيد.. وانهيار منظومتي ...
- حكم نهائي بسجن المؤرخ محمد الأمين بلغيث بعد تصريحاته عن الثق ...
- مخرج «جريرة» لـ(المدى): الجائزة اعتراف بتجربة عراقية شابة.. ...
- الجديد : مجموعة شعرية لمصطفى محمد غريب ( لحظات بلون الدم )
- أصيلة تكرم الفنان التشكيلي المغربي عبد الكريم الوزاني.. ناحت ...
- المصري خالد العناني مديرًا لليونسكو: أول عربي يتولى قيادة ال ...
- -نفى وجود ثقافة أمازيغية-.. القضاء الجزائري يثبت إدانة مؤرخ ...
- عودة الثنائيات.. هل تبحث السينما المصرية عن وصفة للنجاح المض ...
- اختفاء لوحة أثرية عمرها 4 آلاف عام من مقبرة في سقارة بالقاهر ...
- جاكلين سلام في كتابها الجديد -دليل الهجرة...خطوات إمرأة بين ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - كلية واحدة للحب