أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - مذكّرات قائد فرقة عسكرية / ١














المزيد.....

مذكّرات قائد فرقة عسكرية / ١


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 13:34
المحور: الادب والفن
    


الراقم ٤٠٩… ورصاصة مؤجَّلة

في الحروب، لا تكون المعارك دائمًا ضد العدو وحده،
بل أحيانًا ضد الأوامر المكتوبة ببرود على ورق.
هذه مذكّرات قائد فرقة عسكرية عاش لحظةً فاصلة
بين الإعدام والنصر، بين الورق والدم.
قصة الراقم ٤٠٩… ورصاصة مؤجَّلة.

في الحروب، لا يكون العدو وحده هو من يترصّدك. أحيانًا يكون الورق أخطر من الرصاص، والأوامر أشد قسوة من نيران المدافع. بين ما يُكتب على الطاولة وما يحدث في الميدان، تتشكل مصائر الرجال.

كُلِّف النقيب محمد، أحد ضباط القوات الخاصة المعروفين بشجاعتهم، بتحرير الراقم ٤٠٩. كنت أعلم أن الموقع حصين، محاط بأشدّ المقاتلين الإيرانيين. ومع ذلك، تقدّم محمد برجاله كما لو كان يؤمن أن الإرادة تكسر الحديد.
دارت معركة ضارية، سقط فيها ثلاثة شهداء وأُصيب أربعة بجروح خطيرة. اضطر محمد إلى التراجع، وهو يحمل في ملامحه ثِقَل الخسارة ومرارة الفشل.

بعد ساعات قليلة، وصلتني برقية باردة:
"إعدام النقيب محمد… رمياً بالرصاص… أمام جنوده، بأمر القائد العام للقوات المسلحة.وذلك لخذلانه "
قرأتها مرارًا. شعرت أنها لم تُكتب بحبر، بل ببرودة الموت. لكنني لم أخبر محمد بما وصل. ظلّ القرار سرًّا بيني وبين آمر اللواء.

تشاورت مع آمر اللواء. لم يكن من العدل أن يُمحى تاريخ رجل شجاع برصاصة من رفاقه. قلت له:
ــ "لنمنحه محاولة أخرى… قبل أن يصل أمر التنفيذ."
كان صوتي مشبعًا بالرهبة. منحت الرجل ست ساعات فاصلة بين الموت والانتصار. ست ساعات فقط، إما أن يحرّر الراقم، أو يموت في المعركة، أو يُصفَّ لاحقًا أمام فوهات البنادق. وهو لا يعرف شيئًا عن ذلك المصير.

انطلقت المحاولة الثانية بدعم أوسع: مدفعية تمهّد، استطلاع يوجّه، وعدد أكبر من المهاجمين. ومع ذلك، ظلّ الموقع جحيمًا.
ثماني ساعات من قتال متواصل. الرصاص مطر لا ينقطع، والدخان يحجب السماء، حتى تحوّل الصراع إلى عراك بالحراب والأيدي. كنت أتابع المشهد وأدرك أن محمد يقاتل عن شرفه، بينما في الحقيقة كان يقاتل أيضًا عن حياته، وهو لا يدري.

مع الفجر، ارتفع العلم العراقي فوق الراقم. الجنود هتفوا من بين التعب، ومحمد وقف بينهم مثخنًا بالتراب والدم، لكنه واقف.
أرسلت البرقية:
"تم تحرير الراقم ٤٠٩. قائد العملية: النقيب محمد. التكليف صدر قبل وصول أمر الإعدام."
بعد ساعات جاء الردّ مقتضبًا:
ــ "أُعفي من العقوبة."

في الحقيقة ، ما زلت أعتقد أن البطولة ليست دائمًا في مواجهة العدو وحده، بل أحيانًا في مواجهة قدرٍ مجهول يُكتب على ورقة. النقيب محمد لم يعرف أن الموت كان ينتظره مرتين: مرةً على التلة، ومرةً في ساحة العرض. وربما في هذا يكمن سرّ الحرب: أن تقاتل وأنت لا تعلم أن موتًا آخر يمشي خلفك بصمت.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنابيب ضائعة
- دم الشهيد بين المكاتب
- تأملات راحل
- الجامعة وجرح لا يندمل
- بين البندقية والباسون
- ذكريات لا تُنسى / ٣
- ذكريات لا تنسى / ١
- ذكريات لا تُنسى / ٢
- ذكريات لا تموت
- الزانية
- حين صار الحزن انا
- انتظر .... عسى الله يفرجها
- ابتسامة على دفتر الدَّين
- نزف الغياب
- ظلّ البطاقة
- لقاء الأرواح
- أبنة السجان
- السيّار… حين يتوقف الحديد وتتحرك القلوب
- الرصاصة الرابعة
- الجندي المجهول _ حكاية الهوية العراقية


المزيد.....




- رصدته الكاميرا.. سائق سيارة مسروقة يهرب من الشرطة ويقفز على ...
- برتولت بريشت وفضيحة أدبية كادت أن تُنسى
- مواسم القرابين لصالح ديما: تغريبة صومالية تصرخ بوجه تراجيديا ...
- احتجاج واسع بمهرجان سينمائي في إسبانيا ضد الإبادة بغزة
- احتجاج واسع بمهرجان سان سباستيان السينمائي في إسبانيا ضد الإ ...
- في حلق الوادي قرب تونس العاصمة... شواهد مقر إقامة نجمة السين ...
- رحيل الممثلة كلوديا كاردينالي عن 87 عاماً... -أجمل إيطالية ...
- توماس فوسين: لا معايير للشرعية السياسية والارتباط بالسلطة يت ...
- توماس فوسين: لا معايير للشرعية السياسية والارتباط بالسلطة يت ...
- -السينما الغامرة-.. كيف يعيد الذكاء الاصطناعي رسم تجربة المش ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - مذكّرات قائد فرقة عسكرية / ١