أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - الجندي المجهول _ حكاية الهوية العراقية














المزيد.....

الجندي المجهول _ حكاية الهوية العراقية


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8456 - 2025 / 9 / 5 - 08:43
المحور: الادب والفن
    


في غرفة بيضاء داخل المستشفى العسكري ببغداد، حيث تفوح رائحة المعقّم وتختلط بأصوات العربات المعدنية ووقع خطوات الممرضين، كان الليل يهبط بثقله على النوافذ. على سرير معدني ممدد جندي شاب، جسده مغطى بالضمادات ووجهه شاحب، يتنفس بصعوبة. إنه علي النجفي، المقاتل الذي اعتاد مواجهة الموت في خطوط النار، لكنه هذه المرة بدا أسيراً لعجز الجسد وصمت الألم.
بجانبه جلس رفيقه عمر الموصلي، يحمل في عينيه بقايا حربٍ لم تنته بعد. كان يتأمل صديقه الراقد، يراقب صدره وهو يعلو ويهبط ببطء، ويستعيد صورة قديمة من قلب المعركة. مد يده وأمسك بكف علي البارد، وهمس في نفسه: "أيُّ قدرٍ هذا الذي يجعلنا نتناوب على الجراح؟ بالأمس كنتُ أنا الممدد وأنتَ المنقذ، واليوم انعكس المشهد كمرآة مشروخة."
عادت به الذاكرة إلى الموصل، حيث كانت الأرض تهتز تحت وقع المدافع، والدخان يغطي سماء المدينة التي مزقها الإرهاب. أصوات الرصاص تختلط بصراخ المدنيين، ورائحة الدم والبارود تحاصر الأنفاس. كان عمر يتقدم مع كتيبته في أحد الأزقة، حين اخترقت شظية كتفه فانهار على التراب. شعر أن نهايته اقتربت، وأنه سيُترك في الخندق كما تُرك كثيرون. لكن من بين الغبار ظهر علي النجفي، وجهه مغطى بالعرق والتراب، ويداه تحملان السلاح والإصرار معاً. انحنى فوقه، رفعه على كتفه، وشق طريقه وسط الرصاص المنهمر كالمطر. تعثر غير مرة، لكنه لم يسقط.
وصل به إلى مكان آمن، وحاول أن يوقف نزيفه بضماد قديم. فتح عمر عينيه بصعوبة وتمتم:
– "لماذا خاطرت بحياتك من أجلي يا علي؟"
ابتسم علي وربت على كتفه قائلاً:
– "أنا لم أنقذ سنياً ولا شيعياً… أنا أنقذت أخي."
تلك الكلمات، البسيطة الصافية، تناقلها الجنود في الخنادق، وكان بينهم الملازم رائد العبيدي، الذي ظل يرددها كوصية: "الخندق لا يعرف إلا هوية واحدة… الهوية العراقية." ومنذ ذلك اليوم صار كل مقاتل يرى العراق بيتاً واحداً، جدرانه من دماء الشهداء وسقفه من سماء لا تفرّق بين أبنائها.
عاد عمر من غيابه، فوجد نفسه في غرفة المستشفى، وعلي هو الجريح هذه المرة. اقترب أكثر، أمسك بيده وضغط عليها برفق وهمس:
– "أتذكر يوم أنقذتني من موت محقق؟ اليوم جاء دوري… لن أتركك ما دام في صدري نفس."
فتح علي عينيه بصعوبة، وابتسم ابتسامة باهتة بينما دمعة ساخنة انسلت على وجنته. بصوت واهن لكنه ثابت قال:
– "كأننا يا عمر نتناوب على حمل العراق فوق أكتافنا."
في تلك اللحظة شعر عمر أن الدم الذي يجري في عروقهما واحد، وأن كل ما حاول العدو زرعه من فرقة قد سقط أمام أول موقف تضحية. لم يكن بينهما سوى هوية واحدة، هوية العراق. خارج النافذة كانت شمس بغداد تغيب ببطء، تنشر لوناً أحمر كالدم على الأفق، وكأن السماء نفسها تكتب النهاية: "الوطن لا يُبنى إلا حين يتناوب أبناؤه على حمل بعضهم بعضاً، الخندق والمستشفى كلاهما يعرفان هوية واحدة… الهوية العراقية."

هذه القصة واقعية، مستلهمة من تضحيات الجيش العراقي في معارك التحرير ضد داعش، حيث امتزجت دماء المقاتلين من كل مدن العراق لتعلن أن لا هوية أسمى من الهوية العراقية.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نور في العتمة
- أشبيدي آنه ؟
- صوت وطن
- الضفة الاخرى
- مدرسة الطين
- عقاب الماء البارد
- ومضات العمر
- دم في نفس الشارع
- السوق _دكة العطار
- حين سلمني ابي
- الكرسي الفارغ
- حلم التخرج
- النافذة التي لا تُفتح
- بين النخيل
- حين تسقط الاقنعة
- صحوة القلب
- زهرة ذبلت قبل الربيع٤
- الصندوق الأخير
- الحب عبر الجدار
- رسالة بين دفّتي كتاب


المزيد.....




- فيديو.. 24 دقيقة تصفيق لفيلم -صوت هند رجب- في مهرجان فينيسيا ...
- فيلم -صوت هند رجب- يهز مهرجان فينيسيا
- بطل فيلم -صوت هند رجب- يحكي ردود الفعل الغربية
- وزير الثقافة الفلسطيني السابق أنور أبو عيشة: لا حل غير الاعت ...
- خدعوك فقالوا: الهوس بالعمل طريقك الوحيد للنجاح
- بـ24 دقيقة من التصفيق الحار.. -صوت هند رجب- لمخرجة تونسية يه ...
- تصفيق حار استمر لـ 14 دقيقة بعد انتهاء عرض فيلم -صوت هند رجب ...
- -ينعاد عليكم- فيلم عن الكذب في مجتمع تبدو فيه الحقيقة وجهة ن ...
- رشحته تونس للأوسكار.. فيلم -صوت هند رجب- يخطف القلوب في مهرج ...
- تصفيق 22 دقيقة لفيلم يجسد مأساة غزة.. -صوت هند رجب- يهزّ فين ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - الجندي المجهول _ حكاية الهوية العراقية