أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - بين النخيل














المزيد.....

بين النخيل


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 08:56
المحور: الادب والفن
    


الأقدار مثل السواقي القديمة، تجري ببطء لكنها تغيّر مجرى البيوت والقلوب. وكلمة صغيرة في الزقاق قادرة أن تشعل الفتنة أو تفتح باب النصيب. وبين النخيل، يكبر الحب مثل الماء الخفيّ تحت التراب، يحتاج فقط إلى لحظة صدق كي يظهر، وإلى شجاعة كي يبقى.

في البصرة، في منطقة أبو الخصيب، كان بيت صغير يتوسّطه فناء فيه نخلة وساقية ضيقة. كل صباح تسقي زهراء النخلة وتغسل جرّة الماء، بينما يمرّ محمود، الفلاح الشاب، يحمل منجله ويخفض بصره، فيحيّي والدتها.

وذات يوم تعطلت الساقية، فنادى والدها المتعب:
– "ابني محمود، تعال ساعدني بهالساقية."
ضرب محمود بالفأس حتى جرى الماء من جديد، وهناك التقت عيونهما لأول مرة بلا خوف.

ليلاً، جلست زهراء مع أمها على السطح:
– "يمّه… قلبي يرتاح من أشوفه."
ربّتت الأم على كتفها وقالت:
– "البنية إذا حبت صدگ، ما يخطا كلبها. بس يا حبيبة أمچ، ابن عمچ سلمان يريدچ إله."

لم يمض وقت طويل حتى دخل سلمان على البيت، عريض المنكبين وصوته قاسٍ:
– "عمي، من سنين وأنا طالب خطية. زهراء إلي، وما أرضى أحد يسبقني."
ارتبك الأب، فردّت الأم بحزم:
– "يمّه، البنية ما بعد اختارت. لا تستعجل النصيب."

لكن السوق ما رحم. أشاع جاسم بين الناس:
– "زهراء ما تسقي إلا إذا مرّ محمود."
عاد الأب متجهّمًا، والهم يثقل صدره. فقالت الأم:
– "لا تصدّگ سوالف الجيران. بنتك عزيزة ونزيهة."
وبكت زهراء وهي تقول:
– "يمّه، إذا أخذوني من محمود، أنشف مثل نخلة بلا ماي."

في الفجر، طرق محمود الباب وقال للأب:
– "عمي، ما عندي ذهب ولا بيت، بس عندي أرضي وعرگي. إذا راضي، جاي أخطب زهراء."
سكت الأب، ونظرت الأم إليه قائلة:
– "الولد طيب، وأهل الحي يشهدون له."

لكن سلمان اقتحم المجلس غاضبًا:
– "لا والله! إذا راحت لغيري، ما يصفى بينه دم!"

اجتمع الرجال في ديوان الشيخ عبّاس. سأل الشيخ جاسم عن إشاعته، فتلجلج واعترف:
– "غلطت… ما شفت شي بعيني."
ضحك الحضور، فقال الشيخ:
– "الشهادة اللي تتبدل مو شهادة."

من خلف الستارة ارتفع صوت الأم، ثابتًا وحزينًا:
– "أنا أشهد إن بنتي قلبها مع محمود، وحبها له شريف."

تنهد الأب، وقال بصوت متردد:
– "إذا هذا اختيارها، فأني راضي."

لكن سلمان لم يهدأ. وقف في منتصف الديوان، عيونه تقدح نارًا:
– "أنتو تحسبوها انتهت؟ لا… ما يصفى بينه دم."
ورمى عقاله على الأرض علامة تحدٍ، ثم خرج غاضبًا والرجال يتابعونه بعيون قلق.

عاد محمود في الفجر ليسقي الساقية، يداه ترتجفان وهو يناول زهراء الدلو. ارتسم على وجهها ابتسامة قصيرة، سرعان ما انطفأت حين رأت من بعيد ظل سلمان يراقب من خلف النخيل.

همس محمود:
– "لا تخافين… الأرض إليّ، والنخلة إلنا."
لكن قلب زهراء ارتجف، فقد أدركت أن الحب لا يكفي وحده لمواجهة غيرة الدم ومرارة النفوس.

وفي الصباح الذي تلا، ظلّت الساقية تجري، لكن أحدًا لم يدرِ هل ستبقى زهراء مع محمود، أم أن تهديد سلمان سيحوّل النخيل إلى شاهد على مأساة أخرى لم تكتب بعد.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تسقط الاقنعة
- صحوة القلب
- زهرة ذبلت قبل الربيع٤
- الصندوق الأخير
- الحب عبر الجدار
- رسالة بين دفّتي كتاب
- الشمعة والريح
- قصة حب واحدة… وحياة كاملة
- صويحبتي
- حين يغسل المطرُ الوجوه
- مرثيّة نصف عام
- رحيلٌ مؤجَّل
- حين انكسر الجدار
- الحمار الذي زأر
- نعلُ الجدِّ الذي أنقذَ الحفيد
- حُجَّةٌ... وَلَكِنْ إِلَى أَيْنَ؟
- بيت لا يقبل القسمة


المزيد.....




- وفاة أسطورة السينما الهندية.. دارمندرا
- موسيقى وشخصيات كرتونية.. محاولات لمداواة جراح أطفال السودان ...
- مسرحي تونسي: المسرح اجتماعي وتحرري ومقاوم بالضرورة
- الفنانة تيفين تتعرض لموجة كراهية وتحرش لمشاركتها في نقاش عن ...
- وفاة الممثل الألماني أودو كير الذي تألق في هوليوود عن عمر نا ...
- -بينك وبين الكتاب-.. معرض الشارقة يجمع 2350 دار نشر من 100 د ...
- وفاة أيقونة السينما الهندية دارميندرا عن 89 عاماً
- تحولات السينما العراقية في الجمعية العراقية لدعم الثقافة
- وفاة جيمي كليف أسطورة موسيقى -الريغي- عن عمر ناهز 81 عامًا
- فيلم -الملحد- يعرض في دور السينما المصرية بقرار قضائي مصري و ...


المزيد.....

- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - بين النخيل