نعمة المهدي
الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 03:00
المحور:
الادب والفن
بين الجدران وصدى الغياب
ها أنا أكتب إليك يا صويحبتي، لا لأخفف عن نفسي ثِقَل الحزن، بل لأترك الكلمات تنزف كما يترك الجرح دمه دون ضماد. كنتِ لي أكثر من صديقة، أكثر من حبيبة، أكثر من أخت، وأكثر من زوجة. كنتِ نصف الروح الذي يسندني حين أميل، والنبع الذي يرويني حين يجف العمر. عشنا معًا على الرضا، على القناعة، على الودّ الذي لم تنل منه الأيام، فوهبنا الله ثلاثة ملوك صغار وأميرتين تشعّان في عتمة الدهر.
لم يخطر ببالي يومًا أن يأتي الفقد فجأة، أن تُغلق الحياة بابها خلفك من غير إنذار، وأن أجدني وحيدًا أُصارع صدى الجدران. أعرف أنّ الموت حق، لكنّي لم أعرف من قبل أن الحق يمكن أن يكون بهذه القسوة، وأن الفقد قد يترك الإنسان كغصنٍ مقطوع، يُلوّح في الريح ولا يجد جذره.
كنتِ سندي، ركني الثابت، كنتِ البوصلة التي تهديني في التيه، والمرفأ الذي أعود إليه حين يخذلني البحر. من بعدك صرتُ غريبًا حتى بين أبنائي، أصغي إلى أصواتهم وأبحث في نبراتهم عن أثرٍ من صوتك فلا أجد. أجلس في الليل، أُشعل شمعة لأستدعي ظلك، فيتراقص على الجدار كطيفٍ بعيد، فأظن لوهلة أنك ستفتحين الباب وتعودين، لكن الباب يبقى مغلقًا، والظل يذوب مع آخر نفس للشمع.
يا زوجتي الطاهرة، يا عنوان الشرف والعفة والإخلاص، كيف رحلتِ وتركتِ في صدري فراغًا لا يملأه شيء؟ كنتِ حاضري ومستقبلي، صرتِ الآن غيابًا يطاردني في كل لحظة. حتى أحلامي صارت تخونني، لا تحمل ملامحك، كأنها تواطأت مع الموت عليّ.
هل أعيش عمري كله وأنا أحمل هذا الغياب كصليبٍ على كتفي؟ هل أبقى أناديك في صمتي وأعرف أن لا مجيب؟ أم أترك قلبي معلقًا على رجاء أن لقاءنا مؤجل لا مفقود؟
يا صويحبتي، لقد أخذ الموت جسدك، لكنه لم يستطع أن يأخذك مني. ستبقين في دعائي، في بكائي، في حديثي مع الله كل ليلة. وسأظل أقول: إنّ فقدك امتحان، لكن حبك يقين لا ينكسر.
أغلق عينيّ الآن، وأترك دمعةً تسقط لتقول ما تعجز عنه الكلمات: إنّكِ باقية، وإنّي من دونك غريب، حتى يجمعنا الله على ضفاف البقاء.
#نعمة_المهدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟