أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - رحيلٌ مؤجَّل














المزيد.....

رحيلٌ مؤجَّل


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 08:58
المحور: الادب والفن
    


المقدمة _

أحيانًا، يبدأ الرحيل قبل أن تخطو القدم خارج الباب. يبدأ حين يشعر المرء أن مكانه يضيق به، وأنه صار ضيفًا حتى في بيته. لكن ما أغرب القلب؛ يعرف أن النهاية قادمة، ومع ذلك يتمسك بالجدران والأصوات والروائح، كأنها حبالٌ تمسكه من السقوط في هاوية لا يراها.

البداية _

في السبعينيات، دخل عُمَر الديوانية كما يدخل العابر إلى ظل نخلة بعد مسيرٍ طويل في القيظ. المدينة كانت ساكنة كصفحة ماء، والناس يستقبلون الغرباء كأنهم غصونٌ جديدة في بستانهم. عمل عمر في السوق، ثم عمل آخر، حتى صار اسمه على ألسنة الجيران، وصار صوته مألوفًا في البكور حين يفتحون أبوابهم.

كبر الأبناء في بيتٍ تملؤه رائحة الخبز: قتيبة يركض، عليّ يقرأ ليكون طبيبًا، وأسماء تزين عتبة البيت بضحكاتها. لكن الحرب جاءت كيدٍ عاتية تمسح الطاولة، فتسقط الأكواب واحدًا تلو الآخر: قتيبة شهيد، وعليّ مريض لا يجد من يتبرع له، حتى ذبل وانطفأ.

بقيت أسماء، وتزوجت من حسين. بدا أن البيت سينجو، لكن المرض هذه المرة اختار عمر نفسه.

العقبة الأولى _

ليلة باردة، والريح تدق الأبواب كأصابع غاضبة. قال لزوجته:
— سأبيع البيت ونعود… لا أريد أن أكون عبئًا.
علّق لوحة: الدار للبيع.
في الصباح، رآها حسين، فهرع إلى أهله والجيران. اجتمعوا، ونزعوا اللوحة، وقالوا: «لن ترحل». لكن عمر ظلّ ساكتًا؛ كانت كلماتهم حبل نجاة، لكنه لم يعرف بعد هل يريد التمسك به.

الأيام التالية كانت طويلة. في الليل، يسمع همس زوجته وهي تحسب النقود خفية. في الفجر، يرى حسين يحمل الدواء بصمت. في السوق، يلتقي عيونًا تعرف ولا تقول.
في إحدى المرات، وهو عند النافذة، رأى الطفل الذي يبيع الخبز يمد يده بابتسامة ثابتة. عاد المشهد في ذاكرته ليلًا، فشعر أن هذه اليد الصغيرة أكثر ثباتًا من قبضته على كبريائه.

العقبة الثانية – الأزمة

وافق على السفر إلى بغداد. على الطريق، لمح كلبًا هزيلًا يركض خلف شاحنة، يلهث بلا أمل في اللحاق.
"هذا أنا… أركض خلف ما مضى، وأعرف أني لن ألحق به، ومع ذلك أركض."

دخلوا بغداد، وعند الإشارة، كان الشيخ العجوز يمد يده. لم يعرف عمر أيهما أكثر فقرًا: من يمد يده، أم من يرفض الأيدي خوفًا من أن يعتادها.

في المستشفى، الممرات بيضاء كصفحات لم تُكتب بعد. قبل العملية، داخله صوتان:
— إن متّ، فلن أُهان بالامتنان.
— وإن عشت؟ ألا تريد أن ترى الذين رفضوا رحيلك؟
حين دخل الضوء من الباب، شعر أن الحاجز بين الكبرياء والمحبة بدأ يذوب.

النهاية

استفاق بعد العملية، ووجه حسين يبتسم. في العودة، رأى الطفل نفسه، هذه المرة ابتسامته أوسع. عند مدخل الحي، كان الجيران ينتظرونه. في فناء البيت، وقف الكلب الهزيل، ألقى له عمر كسرة خبز، فاقترب وأكل، ثم مضى في هدوء.

لم يقل شيئًا كثيرًا تلك الليلة. اكتفى بأن جلس بين أهله، يستمع لضجيج البيت، ويشعر أن فكرة الرحيل، التي كانت تثقل صدره، صارت بعيدة، كما لو أن الطريق إلى بغداد كان في الحقيقة طريق العودة إلى قلبه.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين انكسر الجدار
- الحمار الذي زأر
- نعلُ الجدِّ الذي أنقذَ الحفيد
- حُجَّةٌ... وَلَكِنْ إِلَى أَيْنَ؟
- بيت لا يقبل القسمة


المزيد.....




- سوزان طه حسين: الحب الذي أضاء ظلام عميد الأدب العربي رغم اخت ...
- فنان سوداني لاجئ يصرخ في وجه العالم.. -لماذا يهملوننا-؟
- رواية كردية شهيرة
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- وزيرا الثقافة والعمل يتفقدان البلدة القديمة من الخليل
- رحيل المخرج والكاتب المسرحي التونسي الفاضل الجزيري عن عمر نا ...
- ساهم في فوز فيلم بالأوسكار.. فيديو فلسطيني وثق مقتله على يد ...
- ساهم في فوز فيلم بالأوسكار.. فيديو فلسطيني وثق مقتله على يد ...
- -هجوم على ذاكرة شعب-.. حظر الكتب في كشمير يثير مخاوف جديدة م ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - رحيلٌ مؤجَّل