أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - الحمار الذي زأر














المزيد.....

الحمار الذي زأر


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8429 - 2025 / 8 / 9 - 23:41
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة رمزية

المقدمة : عن الهوية والسلطة

إن أسوأ ما يبتلي به الإنسان – أو الحيوان – ليس أن يُسلبَ صوته، بل أن يُعطى صوتًا ليس له، ثم يُؤمر أن يصرخ به حتى يُخرس كل ما تبقى من صدقٍ في جوهره. وإن الكارثة لا تقع عندما يخدع القوي الضعفاء، بل عندما يقتنع الضعيف بأنه أقوى مما هو عليه، فيُصبح عبدًا لكذبته، وسيدًا على خوف غيره.

الفصل الاول : حين يُمنح الجهلُ تاجًا

في أطراف الغابة، حيث يسكن الغبار على أوراق الشجر كوشاحٍ كهل، ظهر الحمار، رماديًّا من كل شيء. لم يكن له اسم، فقد مضى اسمه مع أول مرة نُهر فيها. يتنفس كأن الهواء عليه دينٌ، يسير كمن يحمل تاريخًا لا يريد أحد أن يقرأه.

رآه الأسد الكبير في غفلة من الجوع. لم يكن زمن صيد، فالأسود قد أكلت، لكنها كانت تملّ. اقترب منه، تدور في عينيه فكرة كالسُّم:
"هذا ليس طعامًا… بل مشروعًا".

قال كبير الأسود:
– ما الحاجة إلى الصيد إذا كان بإمكاننا أن نربّي صيدًا يمشي بين فرائسه، يجمعها لنا، ويُعيدها إلى فمنا؟
ضحكت الأسود، لكن الضحك في تلك الغابة كان بداية كل مصيبة.

ألبسوه جلد أسد، جلدًا حقيقيا قديمًا متآكلا. علّموه الزئير، حتى لو خرج منه نهيقًا مشوّهًا. كل مرة كان يُخطئ، يُكافأ! لأن الطاعة، لا الصواب، كانت غايتهم.

وسرعان ما صدّق الحمار أن هناك شيئًا ما تغير فيه… شيئًا جعل الأسود تهاب عليه الخطأ، وتضحك حين يتكلم، لكنها لا تقتله.

وحين أصبح جاهزًا – حسب ظنهم – دفعوه نحو أرضه القديمة، وقالوا له:
– اذهب… واجعلهم يهابون ما ليس فيك.

الفصل الثاني : من الزيف إلى الطغيان

عاد الحمار إلى أرض الحمير كما يعود المخلّص. لم تكن هناك موسيقى، ولا أزهار، فقط خوفٌ لزجٌ يتسلل في أنوفهم كالدخان. لبس جلده المُزيف، ووقف على صخرة عالية، وصاح بصوته الجديد:

– أنا لست كما كنتم تعرفونني… أنا من اختاره الغابُ ليكون عليكم سيدًا.

ارتجّ القطيع. ما بين التصديق والخذلان، كان الصوت وحده كافيًا ليُزرع الرعب. لم يكن زئيرًا حقيقًا، لكن الحمير لم تعرف الفرق، لأنها لم تسمع زئيرًا في حياتها.

بعضهم انحنى، بعضهم هرب، والباقون صمتوا. والصمت، كما عرف الحمار لاحقًا، هو بداية الطاعة.

صار الحمار حاكمًا.

لكنه لم يكن يحكم وحده. الأسود كانت تُراقب، من الظلال، تُصحح له الزئير إن خفت، وتُرسل الأنياب إن احتج.

كل من شكّك، اختفى. قيل: "ذهب إلى الغابة". لم يعد أحد.

بدأ الحمار يُصدّق… لا أنه حمار متنكّر، بل أنه أسدٌ نسيَ ماضيه. وأصبح كل مساء يقف أمام مرآة الماء، يتدرّب على الزئير، يُقلّد نظرات الأسود، يمشي مثلهم، لكن… أذناه ظلّتا تفضحانه.

وجاء اليوم الأول الذي تجرّأ فيه حمارٌ صغير، وقال له في السوق:
– لماذا لا تنزع جلدك؟ دعنا نرى من أنت فعلاً.

اهتز قلب الحمار… للحظة، عاد إليه صوته الحقيقي. تذكّر النهيق، وتذكّر أمه. لكن الأسد خلفه صاح:
– اقتله!

ففعل.

ومات الحمار الصغير، وعاشت الكذبة يوماً آخر.

الفصل الثالث : حين يواجه الكذب صورته

في ليلةٍ لا قمر فيها، وبينما كان الحمار وحده، جلس عند جدول ماء صغير، ينظر في صفحة الماء. رأى نفسه، لا كما يظهر للناس، بل كما هو.

وجهان:

وجهٌ مكسوٌّ بالزيف، له أنياب مرسومة وزئير مزوّر، يحكم الخوف، ويأكل الطاعة.
ووجهٌ ناحلٌ، حزينٌ، متهالك، لأذنين طويلتين، وخطى تجرُّ ماضياً لا يموت.

ارتجف الحمار.

سمع في رأسه صدى صوت قديم: أهو أنت؟ أم أنت ما قالوه عنك؟
هل الزئير صوتك؟ أم أنك فقط مجرّد صدى؟

نهض. خلع جلد الأسد. لأول مرة منذ زمن، شعر بالبرد، كأن روحه عارية.
سار في اتجاه الغابة، حيث كانت الأسود بانتظاره.

وقف أمام كبيرهم وقال:

– لم أعد أريد هذا. لست أسدًا… ولن أكون.

ضحك الأسد، ضحكةً بطيئة خبيثة، وقال:
– لكنك لست حمارًا أيضًا. الحمار الذي يعرف أنه ليس أسدًا، ولا يريد أن يكون… سيؤكل.

ولم يُسمع بعد ذلك له صوت. لا نهيق، ولا زئير.

قيل إن الأسود أكلته، وقيل إنه اختبأ بين الظلال، ينتظر أن يعود صوته الحقيقي.

وقيل… إن الحمير استيقظت ذات يوم، ولم تجد الحمار، ولا الأسود.

لكنها ظلت تصمت. لأن الخوف… صار في دمها.

تأمل ختامي :
ربما لم يكن الحمار مجرمًا ولا ضحية. بل كان مرآتنا جميعًا… حين نُزيّف وجوهنا حتى ننسى ملامحنا، ونُكرم الزيف لأن الحقيقة مرّة.

ليس ما يخيف في "الحمار الذي زأر" أنه حمار… بل أنه زأر، وظن نفسه شيئًا آخر. فصدق الكذبة، وأجبر غيره على التصفيق لها… حتى صدّقوها معه.

لكن الماء – دائمًا – يقول الحقيقة.

ولو بعد حين.

حقا. كل تشابهٍ بين ما ورد أعلاه وواقعٍ نعيشه… ليس صدفة.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعلُ الجدِّ الذي أنقذَ الحفيد
- حُجَّةٌ... وَلَكِنْ إِلَى أَيْنَ؟
- بيت لا يقبل القسمة


المزيد.....




- قصائد تحتفي بأمجد ناصر وتعاين جرح غزة
- -أجمل إيطالية في تونس-... وفاة أيقونة السينما كلوديا كاردينا ...
- -علي بابا- تطلق أكبر نماذجها اللغوية للذكاء الاصطناعي
- -صدى الأبدية-.. رواية تجمع بين الواقع والخيال للتحذير من هيم ...
- الأخلاق في عصر التفاهة.. حين تصبح القيم محض شعارات
- الطيّب صالح: سحر السرد وجرح الغياب
- مو... الفكرة والفعل كما يرويها أحمد خالد
- الشعر المنثور... إسفينٌ في جسد الشعر!
- كيف تحولت أفلام الرعب الأميركية من صرخات مفزعة إلى نقد اجتما ...
- -عزنا بطبعنا-.. أغانٍ جديدة وحفلات بمناسبة اليوم الوطني السع ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - الحمار الذي زأر