أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - رسالة بين دفّتي كتاب














المزيد.....

رسالة بين دفّتي كتاب


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 08:37
المحور: الادب والفن
    


يولد الإنسان وفي داخله عطشٌ غامض، كأنه يبحث عن صدى لروحه في مكان ما، في وجهٍ مجهول أو كلمة منسية. يظن أنّه يختار طريقه بعقله، غير أنّ القدر يسخر منه أحيانًا، فيدفعه عبر ورقة بالية أو صدفة صغيرة إلى امتحانٍ تتعرّى فيه حقيقته. إنّ الكتب ليست مجرد كلمات مطبوعة، بل أوعية خفية للأقدار، وأحيانًا تُخبّئ بين دفّتيها حياة كاملة.

في مكتبة الجامعة، حيث الصمت يخيّم كستار ثقيل، جلست ليلى، الطالبة الهادئة التي تهرب من قاعات الضجيج إلى ركن قصيّ. وبينما تقلّب كتابًا قديمًا في الأدب، سقطت ورقة مصفرّة. انحنت تلتقطها، فإذا بها كلمات مرتعشة:

"إلى من تقع عيناها على هذه السطور… لا أعرف اسمك، لكنني أبحث عن روح تشبهني.
إن مررتِ هنا، فاتركي أثرًا ولو كان كلمة صغيرة."

ارتجفت يداها، وضحكت بخجل مكابر، لكنها لم تنزع الكلمات من ذهنها. "من هذا الغريب؟ هل يسخر؟ أم أنه جاد؟" همست في داخلها.
بعد أيام، عادت للكتاب نفسه، كتبت بخط مرتجف:

"وجدت كلماتك. غريب أن يتقاطع طريقنا في كتاب… لكن ربما لا شيء يحدث صدفة."

ومنذ تلك اللحظة، بدأت المراسلات الخفية. أوراق صغيرة تتناوب بين دفتي الكتاب: أحلام، شذرات فلسفية، اقتباسات شعرية. لم يتبادلا أسماءً أو أوصافًا، ومع ذلك أحسّت ليلى أنّها تكشف روحها لشخصٍ تعرفه أكثر من نفسها.

مع مرور الوقت، بدأ القلق ينهشها: "أأنا أتعلق بسراب؟ هل يمكن أن يحبّ المرء كلمات بلا وجه؟" كانت تحتقر ضعفها، ثم تعود لتنتظر الورقة التالية بلهفة طفل. بين العقل والروح، نشب صراعها الأول: هل ما تعيشه حقيقة أم وهم جميل؟

في صباح شتوي، مدّت يدها لتسحب الكتاب من مكانه، فارتطمت بيد أخرى. رفعت بصرها فرأت شابًا، ممسكًا بالورقة ذاتها. نظر إليها بدهشة، كأنّ الحروف التي تبادلاها لأشهر تحوّلت فجأة إلى جسد وملامح.

قال بصوت خافت:
– "أأنتِ صاحبة الكلمات؟"

أجابت، والدم يغمر وجهها:
– "وأنتَ الذي كنت أكتب له؟"

لكن اللحظة التي كادت أن تكون اكتمالًا انشقت فجأة حين ظهر خلفهما وجه مألوف: منير، زميلها وصديقها القديم. في يده ورقة أخرى بخط مختلف. عيناه تلتمعان بخيبة ومرارة. قال بصوت مبحوح:
– "إذن… لم تكن رسائلي تصل إليك؟ كنتِ تكتبين لشخص آخر؟"

تجمّد الهواء. شعرت ليلى وكأن الأرض سُحبت من تحتها.

اقترب منير خطوة، صوته يرتجف:
– "كنتُ أكتب لكِ منذ أشهر، أترك أوراقي في كتبٍ مختلفة، أظن أنكِ ستقرئينها… كنت أظن أنكِ تدركين أنّي أحبك، أنّي ظللت قربك كل هذه السنوات صامتًا… لكنك لم تري!"

ارتبكت، حدّقت به بذهول:
– "أأنت…؟ لكنني… وجدت رسائل أخرى…"

قاطعهما الشاب الغريب بنبرة حادة:
– "رسائل أخرى؟ إذن لم تكن لكِ وحدكِ؟"

اشتعلت المواجهة، كأن المكتبة الضاجة بالصمت تحوّلت إلى محكمة للأرواح.

ليلى في داخلها تصرخ: "أي عبث هذا؟ كنت أظن أنني وجدت أخيرًا من يسمعني، فإذا بي ممزقة بين صديقٍ وفيّ كتم حبه حتى اختنق، وغريبٍ أسرني بحروفه. هل أخطأت؟ هل خنت؟ أم أنّ القدر يسخر مني؟"

قال منير بعينين دامعتين:
– "كنتُ إلى جانبكِ كل يوم، لكنك فضّلتِ كلمات مجهولة على قلبٍ معروف!"

وقال الغريب بمرارة:
– "كنتُ صادقًا معكِ في كل حرف… أأكون مجرد طيف وسط أوهامك؟"

نظرت ليلى إلى الورقة بين يديها، كأنها ورقة حكمٍ أخير. قلبها يمزّقه سؤال: هل الحب كلمة أم حضور؟ هل يُقاس بالصدق الصامت أم بالجرأة على البوح؟

ابتسمت ابتسامة غامضة، أعادت الكتاب إلى مكانه ببطء، ثم همست لنفسها:
"ربما الجواب لا يوجد هنا… بل في زمن آخر."

سارت بخطوات ثابتة نحو باب المكتبة، والهواء البارد يصفع وجهها. لم تلتفت. بقي الشابان واقفين، والكتاب بينهما كقاضٍ أبكم يحمل أسرارهم.

وهكذا ظل السؤال معلّقًا:
من يا تُرى سيكتب السطر الأخير في هذه الحكاية؟



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشمعة والريح
- قصة حب واحدة… وحياة كاملة
- صويحبتي
- حين يغسل المطرُ الوجوه
- مرثيّة نصف عام
- رحيلٌ مؤجَّل
- حين انكسر الجدار
- الحمار الذي زأر
- نعلُ الجدِّ الذي أنقذَ الحفيد
- حُجَّةٌ... وَلَكِنْ إِلَى أَيْنَ؟
- بيت لا يقبل القسمة


المزيد.....




- -كنت أكره أنني أبدو آسيوية-: نجمة فيلم -كيه بوب ديمون هانترز ...
- مصر.. وزير الثقافة يوضح التطورات الصحية للموسيقار عمر خيرت
- مهرجان إدفا 2025.. السينما الوثائقية وتشريح الاحتجاج زمن الح ...
- بيروت: سفارة دولة فلسطين تستضيف عرض الفيلم الوثائقي
- أنتوني هوبكنز.. السير يروى سيرته السينمائية
- خيول ومقاتلات وموسيقى.. استقبال مهيب لولي العهد السعودي في ا ...
- لا رسوم على خدمات الترجمة في الرعاية الصحية في بليكينغه
- تداول فيديو لتوم كروز وهو يرقص مع ممثلة قبل فوزهما بجوائز ال ...
- هل هززتَ النَّخلة؟
- ‎-المجادِلة- يفوز بجائزة ريبا للعمارة في الشرق الأوسط 2025


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - رسالة بين دفّتي كتاب