أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - حين تسقط الاقنعة














المزيد.....

حين تسقط الاقنعة


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 02:28
المحور: الادب والفن
    


ما أسرع ما تنقلب الدنيا على وجوهٍ ظنّت أن الزينة درعٌ لا يُخترق! وما أوهى القناع حين تهبّ الريح، فيبقى الوجه عارياً أمام الحقيقة. إن للمال بريقاً يخدع العيون، ولكن للكرامة نوراً لا يطفئه فقر ولا يشتريه غنى.

ليلى، ابنة العشرين، زهرة مدلّلة في بيوت بغداد اللامعة. كان أبوها، جواد الأسمر، رجل أعمال يملك شركاتٍ ومطاعمَ ومشاريعَ عقارية. كان يردد على مسامعها دائماً:
– «يا ليلى، المال هو المفتاح لكل باب.»

كبرت على هذه النغمة، فامتلأ قلبها ثقةً زائفة وغروراً يُخفي هشاشة بداخلها. ترى الناس مرايا تعكس صورتها، لا قلوباً تستحق الاحترام.

في المقابل، كان محمود، شاباً ميسانياً في الثانية والعشرين، يدرس الهندسة المعمارية في جامعة بغداد. يعمل نادلاً في أحد مطاعم جواد ليلاً، ويكدّح في دراسته نهاراً. كلما أُهين صمت، وكلما تعب ابتسم، لكن قلبه كان يردد في سره:
– «سأبني نفسي حجراً فوق حجر، حتى لو كان العالم كله يضحك عليّ.»

على طاولة صغيرة في غرفته الضيقة، كانت تقف وردة ذابلة في كأس ماءٍ قديم، يراقبها كل ليلة، ويهمس:
– «حين أزهر، ستزهرين أنتِ أيضاً.»

ذات مساء، دخلت ليلى المطعم مع صديقتها سوسن. اقترب محمود بأدب:
– مساء الخير… ماذا تحبّان أن تطلبا؟
ضحكت ليلى باستهزاء، وهمست لصديقتها:
– حتى النادل صار يتحدث وكأنه صاحب المكان!
ثم التفتت إليه ببرود وقالت:
– كم أجرتك اليومية؟ خمسة وعشرون ألفاً؟ هاتِ لنا ما يساويها.
لم يرد محمود، اكتفى بابتسامة باهتة، لكن قلبه انكسر. في تلك الليلة عاد إلى غرفته، جلس أمام الوردة الذابلة، وشعر لأول مرة أنها تسخر منه مثلها. همس بحزن:
– «ربما لن تزهر أبداً… وربما لن أزهر أنا أيضاً.»

مضت الشهور. قدّم محمود مشروعاً جامعياً عن «الإسكان للفقراء بكلفة قليلة». أعجب به الأساتذة، وأوصوا بعرضه على مستثمرين كبار. بدأت شمعة حلمه تتوهج.

أما ليلى، فكانت تواصل حياتها بين حفلات وسفرات، حتى جاء المساء الذي قلب عالمها. في مطعم والدها، دخلت قاعة جانبية تبحث عن بعض الهدوء، فإذا بها تسمع صوت خطيبها أحمد يهمس لسوسن:
– لا أحبها… إنها متعجرفة. صبرت فقط على ثروة أبيها. قريباً سأتركها وأرتبط بك.

ترددت ضحكة سوسن الخبيثة:
– وأنا مللتُ التظاهر. أريدك وحدك.

وقع الكلام على قلب ليلى كالرعد. تجمدت في مكانها، كأن السقف ينهار فوقها. خرجت مسرعة، تسير في شوارع بغداد الباردة، ودموعها تنحدر بلا توقف. لأول مرة شعرت أن كل ما تملكه لا يساوي شيئاً. تلك الليلة كتبت في دفترها:
– «كنتُ أظن المرآة تُظهر حقيقتي، فإذا بها تكذب عليّ. من أنا بلا مالي؟ ومن يحبّني بلا مظهري؟»


كبر نجم محمود، وصار اسمه يتردد في الجامعة. دُعي لإلقاء محاضرة في ندوة كبرى حول البناء منخفض الكلفة. جلس الحضور مبهورين بكلماته، وكانت ليلى بينهم، تنظر إليه مأخوذة. لم ترَ النادل الذي سخرت منه، بل رجلاً يشع من داخله نوراً لم تعهده.

بعد المحاضرة، استدعاه جواد الأسمر، وأبدى إعجابه بمشروعه. قال له بابتسامةٍ مموهة:
– يا بني، لدي خطة لبناء مجمعات سكنية، لكن علينا إخراج الفقراء من بيوتهم أولاً بتعويض بسيط. الربح مضمون.

صمت محمود لحظة، واضطرب داخله. تذكر أجره القليل، تعبه، حاجته للمال. للحظة راوده ضعف أن يقبل. ثم نظر إلى الوردة الذابلة التي وضع صورتها في دفتره الجامعي، وقال بحزم:
– سيدي، لن أتاجر بأحلام المساكين. إن أردت مشروعاً عادلاً فأنا شريكك، وإن أردت ظلماً فلستُ معك.


في تلك الليلة، جلست ليلى إلى مكتبها، وكتبت لمحمود رسالة قصيرة:
– «يا من كنتَ يوماً نادلاً في مطعمنا، وغدوتَ اليوم نبيلاً في أعيننا: سامحني. لم أكن أرى إلا بريق نفسي، أما أنت فقد علمتني أن الفضيلة هي الثراء الحقيقي.»

قرأ محمود الرسالة، وضعها بجانب الوردة التي بدأت تخضرّ من جديد، وأجابها:
– «كلنا نخطئ، لكن العبرة أن ننهض. لنفتح صفحة جديدة، لا لنمحو الماضي بل لنجعله درساً.»

التقيا بعدها في مقهى يطل على دجلة. جلست ليلى صامتة، يداها ترتجفان، والشموع بينهما ترتجف أيضاً. لم تتحدث كثيراً، فقط نظرت في عينيه وقالت:
– «أريد أن أتعلم كيف أعيش بلا أقنعة.»

ابتسم محمود بهدوء:
– «سنتعلم معاً.»

حين جاء يوم الحفل العائلي، وقف جواد وهو يسلّم ابنته لمحمود قائلاً:
– يا بنيّ، المال علّمني كيف أملك الأرض، لكنك علّمتني اليوم أن الإنسان لا يملك نفسه إلا بالعدل والكرامة.

وعُلّق في بيتهما خاتم مكسور بجوار وردة يابسة عادت للحياة، تذكاراً أن السقوط قد يكون بداية ولادة جديدة.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صحوة القلب
- زهرة ذبلت قبل الربيع٤
- الصندوق الأخير
- الحب عبر الجدار
- رسالة بين دفّتي كتاب
- الشمعة والريح
- قصة حب واحدة… وحياة كاملة
- صويحبتي
- حين يغسل المطرُ الوجوه
- مرثيّة نصف عام
- رحيلٌ مؤجَّل
- حين انكسر الجدار
- الحمار الذي زأر
- نعلُ الجدِّ الذي أنقذَ الحفيد
- حُجَّةٌ... وَلَكِنْ إِلَى أَيْنَ؟
- بيت لا يقبل القسمة


المزيد.....




- مصر.. وفاة الفنان بهاء الخطيب خلال مباراة والعثور على -تيك ت ...
- فيلم -درويش-.. سينما مصرية تغازل الماضي بصريا وتتعثّر دراميا ...
- شهدت سينما السيارات شعبية كبيرة خلال جائحة كورونا ولكن هل يز ...
- ثقافة الحوار واختلاف وجهات النظر
- جمعية البستان سلوان تنفذ مسابقة س/ج الثقافية الشبابية
- مهرجان الجونة 2025 يكشف عن قائمة أفلامه العالمية في برنامجه ...
- بيت المدى يحتفي بمئوية نزار سليم .. الرسام والقاص وأبرز روا ...
- الرواية الملوَّثة التي تسيطر على الغرب
- تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان ...
- مسرحية -طعم الجدران مالح-.. الألم السوري بين توثيق الحكايات ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - حين تسقط الاقنعة