نعمة المهدي
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 08:44
المحور:
الادب والفن
النور والظلام ليسا وجهاً للطبيعة فحسب، بل وجهاً للإنسان أيضاً. فبينما يختنق البعض بأنانيتهم في عتمة الذات، يمدّ آخرون أيديهم ليشعلوا شمعة في قلب غيرهم. وما أهون أن يُنير المرء بيته، وما أعظم أن يضيء بيت جاره. هناك، في الأزقة الضيقة، لا يُحفظ التاريخ بالكتب، بل بالمواقف التي لا تنطفئ.
جلس علي في غرفة الحاج أبو حسن، يتصبب عرقاً، كأنما كل ما في الغرفة ينتظر كلمة واحدة تغيّر حياته. بجواره جلس أبوه "أبو علي" ساكناً، كمن يعرف مسبقاً أن الخير لا يضيع. رفع الحاج رأسه، وقال بصوت رخيم:
– "أهلاً ببيت أبو علي... أنتم من يقاسم الناس النور في أحلك الليالي."
وفجأة عاد علي بذاكرته إلى تلك الليلة التي أطبقت فيها العتمة على الحيّ، وصرخ الأطفال، وتأوه الشيوخ، ولم يتردد أبوه أن يمد الأسلاك من مولده الصغير إلى بيوت الجيران. وحين خاف علي من انطفاء النور عنهم، قال أبوه الجملة التي بقيت كالآية:
– "لا يبرد بيتي إن كان بيت جاري يغلي حرّاً."
حينها، في بيت الحاج أبو حسن، جلست زهراء خلف النافذة تتأمل نوراً ضعيفاً لكنه عظيم، وهمست لأمها:
– "نور بيتنا الليلة يشبه نور قلوب بعض الناس."
سمع علي كلماتها من بعيد، ومنذ تلك اللحظة، صار يعرف أن حبه لم يكن وهماً.
وعاد الحاضر ليجد أن زهراء تجلس في الغرفة نفسها، والخجل يملأ وجهها، والحي كله يشهد أن الخطبة لم تكن زواجاً عادياً، بل ثمرة موقف لا يموت.
هكذا هي الحياة: قد يولد قدر إنسان من جملة قالها أب في ساعة اختبار، أو من ضوء عابر أضاء نافذة فتاة. ليست المصابيح ما ينير العمر، بل تلك اللحظة التي يُختبر فيها القلب: هل يكتفي بدفء نفسه، أم يضيء الآخرين معه؟ ومن يختار الثانية، يترك خلفه حباً لا ينطفئ، حتى لو خبت كل المولدات.
#نعمة_المهدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟