أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - حلم التخرج














المزيد.....

حلم التخرج


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 19:58
المحور: الادب والفن
    


قد تكون لحظة التخرّج مجرّد عبور رسمي من مقعد الدراسة إلى فضاء الحياة، لكنها في عمقها امتحان آخر: امتحان للجرأة على الاعتراف، على البوح، على اختيار الطريق الذي نخافه أكثر مما نتمناه. ففي القاعات التي تملؤها الزينة والتصفيق، يولد نوع آخر من الصمت؛ صمت بين قلبين يؤجّلان الكلام حتى اللحظة التي لا يُحتمل فيها التأجيل.

ما الذي يجعل كلمة واحدة ـ أو بطاقة صغيرة ـ أعمق من شهادة قضينا لأجلها سنوات؟
إنها تلك الحقيقة البسيطة: أنّ الإنسان لا يتخرّج فقط من كتبه ودروسه، بل من تردّده أيضًا، من خوفه، من صمته الطويل.

ولعلّ أجمل ما في التخرّج أنه لا يعلن نهاية مرحلة فحسب، بل يفتح نافذة لحلمٍ جديد، حلم قد يبدأ بنظرة، أو بدعوة، أو بمقعد فارغ يُملأ في اللحظة الحاسمة.

منذ الفجر، امتلأت ساحة الجامعة بالألوان، عباءات سوداء تلمع تحت الشمس، قبعات مربّعة تستعد للتحليق في السماء، وأصوات الأهل ترتفع بالزغاريد والتصفيق. كان يومًا يشبه العرس، لكنه عرس جماعي للعلم والأمل.

"علي" وقف أمام المرآة يرتّب ربطة عنقه، وهو يشعر أن قلبه يسبق خطواته. طوال الأيام الماضية وزّع بطاقات الدعوة على أصدقائه وأهله، لكن بطاقة واحدة كانت الأثقل على قلبه. كتب عليها: "التخرّج أجمل حين تشاركيني اللحظة."
تردّد طويلًا قبل أن يسلّمها لـ"نور"، زميلته التي لم يتجاوزا في أربع سنوات حدود النظرات والابتسامات.

وحين أعطاها البطاقة في الممر، اكتفى بابتسامة مرتجفة. هي قرأت العبارة، رفعت رأسها، وفي عينيها بريق فهمٍ صامت. لم تقل شيئًا. لكنه عرف أن الكلمات وصلت.

ازدحمت القاعة بأصوات المناداة:
– "الطالب علي عبد الرحمن…"
– "الطالبة نور فاضل…"

ارتفع التصفيق مع كل اسم، والأهل يلوّحون بالكاميرات والهواتف، يلتقطون اللحظة التي انتظروها لسنوات. جلس "علي" في الصف الأمامي مع زملائه، وعيناه تبحثان وسط الزحام. لمح "نور" متألقة بعباءتها السوداء، تقف إلى جانب زميلاتها. خلفها كان والداها يصفّقان بفخرٍ ودموع.

لكن بعد استلامها الشهادة، وبينما الجميع يعود إلى مقاعدهم، خطت "نور" خطوة غير متوقعة. تركت مكانها إلى جوار صديقاتها، واتجهت لتجلس بجانب "علي".
ابتسمت بخجل وقالت بصوت يكاد يضيع وسط الضجيج:
– "دعوتني… وها أنا أشاركك اللحظة."

تجمّد الزمن حوله، بينما صارت القاعة بكل ضجيجها مجرّد خلفية لحوار صامت بين عينين.

همس لها وهو يعدّل وشاحه الأكاديمي:
– "كنت أخشى أن تمرّ السنوات كلها ولا أقول شيئًا."
ردّت بابتسامة هادئة:
– "وأنا كنت أخشى أن تنتهي قبل أن تجرؤ."

لم يلتفتا إلى تصفيق الأهل، ولا إلى القبعات التي حلّقت في السماء حين أعلن رئيس الجامعة انتهاء الحفل. كان عالمهما قد بدأ لتوّه، وسط عالم يصفّق ويغنّي.

تدفّق الخريجون إلى الساحة، الأهالي يلتقطون الصور، الأصدقاء يعانقون بعضهم، والأغاني الشعبية تملأ الجو.
اقتربت والدة "نور" منها لتضمّها بفخر، ثم نظرت إلى "علي" مبتسمة، كأنها فهمت سرّ جلوسها إلى جانبه. أما والده هو، فقد صافحها بحرارة وهو يقول:
– "مبروك يا بنتي… يومكم سعيد."

شعر "علي" أن العالَمين قد تقاطعا أخيرًا: أهله وأهلها، فرحها وفرحه، المستقبلان اللذان طالما سار كلٌّ منهما منفردًا.

وقفا عند بوابة الجامعة، حيث يبدأ الطريق الطويل المظلّل بالأشجار. قالت "نور":
– "الغريب أنني لم أشعر بطعم التخرّج إلا الآن."
أجابها وهو ينظر إلى الممر أمامهما:
– "وأنا لم أعرف أنني قادر على البدء، إلا حين جلستِ بجانبي."

سارا معًا ببطء، يضحكان تارة ويصمتان تارة أخرى. كل خطوة كانت إعلانًا غير منطوق أن ما كان بينهما مجرد نظرات طوال أربع سنوات، صار الآن لغة كاملة.

توقّف "علي" عند سور الجامعة، أدار وجهه نحوها وقال:
– "التخرّج أجمل حين شاركتِني اللحظة… لكن الحياة، هل ستكون أجمل إن شاركتِني كل لحظة؟"

ابتسمت "نور" بصمت، وفي عينيها بريق مزيج من الموافقة والتساؤل. لم تُجب، بل تركت الجواب معلقًا بينهما، كأنهما اتفقا أن يكتبا ما تبقّى خارج أسوار الجامعة.

وهكذا بقي السؤال مفتوحًا:
هل كانت تلك البطاقة بداية قصة حبٍّ طويلة تُروى فصولها مع الأيام؟
أم ستبقى لحظة عابرة تظلّ تسكن ذاكرة شاب وفتاة، تحت اسمٍ واحد: حلم التخرّج؟



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النافذة التي لا تُفتح
- بين النخيل
- حين تسقط الاقنعة
- صحوة القلب
- زهرة ذبلت قبل الربيع٤
- الصندوق الأخير
- الحب عبر الجدار
- رسالة بين دفّتي كتاب
- الشمعة والريح
- قصة حب واحدة… وحياة كاملة
- صويحبتي
- حين يغسل المطرُ الوجوه
- مرثيّة نصف عام
- رحيلٌ مؤجَّل
- حين انكسر الجدار
- الحمار الذي زأر
- نعلُ الجدِّ الذي أنقذَ الحفيد
- حُجَّةٌ... وَلَكِنْ إِلَى أَيْنَ؟
- بيت لا يقبل القسمة


المزيد.....




- وثائقي -المنكوبون- التأملي.. سؤال الهروب من المكسيك أم عودة ...
- فيلم -صوت هند رجب-.. حكاية طفلة فلسطينية من غزة يعرض في صالا ...
- الأطفال في غزة يجدون السكينة في دروس الموسيقى
- قرع جدران الخزّان في غزة.. قصيدة حب تقاوم الإبادة الجماعية ا ...
- رعب بلا موسيقى ولا مطاردات.. فيلم -بطش الطبيعة- يبتكر لغة خو ...
- -صوت هند رجب-: فيلم عن جريمة هزت ضمير العالم
- وزارة الثقافة تنظم فعالية
- لوحة لفريدا كاهلو تباع بـ54.7 مليون دولار محطمة الرقم القياس ...
- انطلق بـ-صوت هند رجب-.. مهرجان الدوحة للأفلام يفتح أبوابه لث ...
- -تعال أيها العالم-: الشاعرة الفلسطينية داليا طه تخاطب العالم ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - حلم التخرج