نعمة المهدي
الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 09:18
المحور:
الادب والفن
حين يتجاوز الحب حدود الجسد
"ثمة لقاءات لا تُسجّلها الأيام، لأنها تُولد في فضاءٍ آخر، حيث لا سلطان للزمن ولا قيود للمكان."
في مدينةٍ غامضةٍ لا تُسجَّل على الخرائط، حيث تُقيم الظلال ولا يجرؤ الزمن على الدخول، كانت الأرواح تمضي بخفّة فوق جسورٍ من ضوءٍ خالص. البشرُ المرهقون بانشغالاتهم لم يدركوا أن ثمة عالماً موازياً يتخلّل أنفاسهم، عالمٌ لا تطرقه الأقدام بل تبلغه القلوب.
في ذلك الفضاء البعيد، التقت روحان بعد رحلة طويلة من التيه. لم تكن بينهما حواجز أجسادٍ ولا قيود لغة، بل انصهرت ملامحهما في وهجٍ واحد، كأنهما قطرتان من نبعٍ واحد افترق منذ أزمنة سحيقة.
قالت الأولى عبر صمتها المشع:
"كم عانيتُ في دهاليز الأرض، كم سرتُ مثقلةً بالتراب والوجع حتى كدت أنسى ملامحك."
ابتسمت الثانية بوميضٍ شفاف، وردّت:
"وأنا كنت أترقّبك خلف غيوم الحنين، حتى صار الانتظار بحدّ ذاته وطناً. وها نحن هنا، لا مسافات، لا فواصل، بل أنتِ وأنا في نعيمٍ لا ينضب."
انفتح المكان فجأةً على بستانٍ من الندى، أشجاره تتنفس موسيقى صامتة، وأزهاره تُشعّ بألوان لم يرها بشر. تحوّل الأفق إلى بحرٍ ساكن من نورٍ أزرق، يعكس ملامح لقاءٍ لا يشيخ.
وحين عبرت أرواح أخرى مسرعة نحو مقاصدها، توقفت هاتان الروحان. اختارتا أن تذوبا في لحظة واحدة، لحظة لا تُقاس بالساعة ولا تُدرك بالعمر. كانت أشبه بارتواء عطشٍ أبدي، أو بعودة غريبٍ إلى بيتٍ ظلّ مشتعلاً بانتظاره.
تذكّرت الروح الأولى أيام الجسد: الوحدة، الغربة، الصمت الطويل بين جدرانٍ باردة. وتذكّرت الأخرى لحظات الانتظار القاسي، حين كانت تلمح طيفاً من بعيد ثم يختفي. لكن كل ذلك بدا الآن كأحلامٍ تافهة أمام حقيقة النعيم.
اقتربت الريح الخفيفة، تحمل معها أصواتاً بعيدة: ضحكات أُناس رحلوا منذ زمن، دعوات أمهات، وأناشيد طفولة قديمة. همست الريح إليهما:
"ما أعذب أن تلتقي الأرواح حين يخذل الجسد، وما أجمل أن تجد الروحُ نصفها الآخر وقد نجا من الغياب."
فأغمضتا عيونهما المضيئة، وذابت اللحظة في الأبد، كأن الكون كله صار قصيدة واحدة لا تنتهي.
#نعمة_المهدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟