أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - الرصاصة الرابعة














المزيد.....

الرصاصة الرابعة


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8457 - 2025 / 9 / 6 - 02:29
المحور: الادب والفن
    


كل من جَرّب الفقد يعرف أن الليل لا ينام كما ينام النهار؛ في العتمة تصبح الأبواب كائنات حيّة، تُراقب وتتنفس.

أبو سمير، رجل سبعيني، عاش بعد رحيل زوجته كمن يسكن بيتًا مهجورًا في داخله. كل ليلة يكرر طقوسه الصغيرة: يُغلق باب غرفته، يعلّق مسبحتها القديمة على مسمار بجواره، ويجلس بين كتابٍ وتلفازٍ خافت الصوت.

البيت في بغداد صامت، إلا من ضحكات حفيدته فاطمة، التي تُطل بين حين وآخر كبريق قصير يذكّره أن الحياة ما زالت تصرّ على الوجود. ضوء المصباح الأصفر يلقي ظلالًا متراقصة على جدار الغرفة، والمسبحة تلمع خرزة منها كعين يقظة.

ثم دوّى صوت خافت… كأن الباب بدأ يتنفس.

ارتجف المقبض. حركة بطيئة ثم أكثر قوة. تجمّد أبو سمير في مكانه. صاح بصوتٍ مرتعش:
– منو؟!
لا جواب. بل ازداد الدفع.
المسبحة اهتزّت فجأة، اصطدمت بالباب وكأنها تدق ناقوس خطر. ارتجف قلبه. سحب هاتفه على عجل، اتصل بجاره سرمد، لكن الهاتف رنّ بلا رد. جَرّب ابنه منير، البعيد ساعة كاملة، ولم يجب هو الآخر.

في تلك اللحظة شعر أنه وحيد تمامًا، محاصر بين جدران خوفه. وفجأة اخترق الباب صوتٌ صاعق: رصاصة حادّة أصابت الخشب ولم تمسّ القفل. ارتجفت ركبتاه، كاد يسقط. تبعتها ثانية… ثم ثالثة.

كان ينتظر أن ينكسر الخشب أو ينهار القفل، لكن الصمت بين الطلقات كان أشد وقعًا من الرصاص نفسه.
ارتفع صراخه في صدره، اختنقت أنفاسه، وغرقت الغرفة في فوضى بين أزيز الرصاص وصدى خطوات غامضة.

ثم… الرصاصة الرابعة دوّت كأنها مزّقت جدار الغرفة، ومعها انفجر قلبه رعبًا.

فجأة، انشقّت الظلمة على صوت آخر…
– بابا… بابا… قوم… العشاء صار جاهز.

فتح عينيه مذعورًا. وجد نفسه على سريره، الغرفة ساكنة، الباب في مكانه لم يُمسّ، المسبحة معلّقة ساكنة لم تتحرك. العرق يغمر وجهه، وصوت زهراء عند الباب ما زال يتردد بلطف.

جلس ببطء، يتلفّت حوله، يلتقط أنفاسه. لم يكن هناك رصاص، لم يكن هناك لصوص، لم يكن هناك سوى حلمٍ غلّفه الخوف وألبسه ثوب الحقيقة.

مدّ يده إلى المسبحة، أمسكها بشدة، كأنها الدليل الوحيد على أن ما عاشه منذ لحظات لم يكن إلا كابوسًا.

ومع ذلك، حين نهض وسار نحو المطبخ، ظلّ قلبه يهمس:
– أكان حلمًا حقًا؟ أم أن الفقد لا يتركك إلا ليعود في هيئة كوابيس أشد واقعية من اليقظة؟

مدّ يده ليغلق الباب تمامًا، لكن أذنه أقسمت أنها التقطت طَرقًا جديدًا، خافتًا، كأن الليل لم ينته بعد.

لقد عرف أبو سمير – ولو للحظة – أن أبواب الحياة ليست دائمًا ما تفتح من الخارج، بل أحيانًا ما ينكسر في الداخل.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجندي المجهول _ حكاية الهوية العراقية
- نور في العتمة
- أشبيدي آنه ؟
- صوت وطن
- الضفة الاخرى
- مدرسة الطين
- عقاب الماء البارد
- ومضات العمر
- دم في نفس الشارع
- السوق _دكة العطار
- حين سلمني ابي
- الكرسي الفارغ
- حلم التخرج
- النافذة التي لا تُفتح
- بين النخيل
- حين تسقط الاقنعة
- صحوة القلب
- زهرة ذبلت قبل الربيع٤
- الصندوق الأخير
- الحب عبر الجدار


المزيد.....




- أولريكة الخميس: الفنون الإسلامية جسر للتفاهم في متحف الآغا خ ...
- من -الغريب- إلى الشاشة.. الرواية بين النص والصورة
- محمد خسّاني.. رقصة الممثل الجزائري في كليب الرابور المغربي د ...
- صناع فيلم -صوت هند رجب- يتحدثون لبي بي سي بعد الإشادة العالم ...
- فيلم عن مقتل الطفلة هند رجب في غزة يلقى تصفيقاً حاراً استمر ...
- الممثلة الفرنسية أديل هاينل تنضم إلى أسطول الصمود المتجه لقط ...
- الرواية الأولى وغواية الحكي.. وودي آلن يروى سيرته ولا يعترف ...
- لوحة رامبرانت الشهيرة.. حين باتت -دورية الليل- ليلة في العرا ...
- سجى كيلاني بطلة فيلم -صوت هند رجب- بإطلالتين ذات دلالات عميق ...
- جِدَارُ الزَّمَن ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - الرصاصة الرابعة