أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - السيّار… حين يتوقف الحديد وتتحرك القلوب














المزيد.....

السيّار… حين يتوقف الحديد وتتحرك القلوب


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 10:27
المحور: الادب والفن
    


كان أحمد يجلس وحيداً في مقهى قديم، يحدّق في فراغ يتجاوز دخان النراجيل وضجيج المذياع. أمامه قدح شاي نصف فارغ، وفي داخله تتردد جملة واحدة كالنشيد: لسنا غرباء يا عم… نحن أولادك بالإنسانية وأولادك في نفس الوطن. ابتسم ابتسامة رطبة بالدمع، ولم يكن يعرف أن ما جرى اليوم سيترك أثراً أكبر مما تخيل.

النهار في مدينة الصدر كان صاخباً. سيارات مزدحمة، أصوات باعة، وحرارة شمس تتسلل كإبر نار. توقفت سيارة أحمد فجأة في منتصف الطريق، فانكمش قلبه كما تنكمش الأوراق اليابسة. فتح الباب، ترجل متردداً، نظر إلى السائقين الذين يرمقونه بعين ضجر. أحس بالعجز، وبأنه غريب في وطنه.
من بين الغبار جاء سامي، يقود دراجته الهوائية العتيقة. توقف، ابتسامة مشرقة على وجهه، شعره المبلل بالعرق يلمع في الضوء. قال ببساطة:
"ها عمي… خل نساعدك." كان صوته يحمل شيئاً لا يمكن وصفه؛ شيئاً من رومانسية الحياة البسيطة التي تجعل حتى المبادرات الصغيرة تبدو كإعلان حب للعالم.

لحق به سعد ومحمد ومحمود، بملابس السوق الملطخة بالغبار ورائحة الحديد. لم يسألوا الكثير، فقط انحنوا وبدأوا بالدفع. وفي أثناء الدفع، التفت أحمد ليلمح أنظارهم؛ كانوا يتبادلون نظرات الصداقة العميقة، كأنهم إخوة لا جمعتهم إلا لحظة عابرة.

بينما كانوا يضحكون من العناء، مرّت فتاة على الرصيف، تحمل حقيبة مدرسية زرقاء. لم يكن في خطوتها ما يلفت، لكن حين رفعت عينيها، صادفت عيني سعد. ابتسمت بخجل، ثم أسرعت بخطواتها. ارتبك سعد، شرد للحظة، وتعثرت يده على هيكل السيارة، فابتسم سامي قائلاً مازحاً: "ها سعد… السيارة أثقل من ابتسامة البنية؟" ضحكوا جميعاً، لكن قلب سعد بقي عالقاً عند تلك اللحظة، كأنه وجد سبباً خفياً ليحتمل تعب الشارع.

مرّت سيارة مسرعة كادت تدهسهم جميعاً. ارتفع الغبار، صرخت امرأة تبيع الشاي على الرصيف، مدّ سامي يده بسرعة وجذب أحمد جانباً. سقط العجوز على الرصيف، بينما ارتجفت أنفاسه. لكن تلك اليد التي أنقذته جعلته يشعر بأن العمر، مهما طال، لا يُقاس بالسنوات بل بالقلوب التي تحيط بك حين تنهار.
بعد أن استقرت السيارة جانب الطريق، قدّم محمد قنينة ماء بارد، وأعطى محمود هاتفه للعجوز ليخابر عائلته .
أراد أحمد أن يشكرهم، وقال:
"أنتم غرباء عني… فلماذا تتعبون أنفسكم؟"
أجاب سامي بابتسامة خفيفة، ووراءه لمعة عيون سعد التي ما زالت تبحث في الزحام عن الفتاة الزرقاء:
"لسنا غرباء يا عم… نحن أولادك بالإنسانية وأولادك في نفس الوطن."
ذلك المساء، حين جلس أحمد في المقهى يستعيد تفاصيل اليوم، كان قلبه مثقلاً بجملة سامي التي ما زالت ترنّ في أذنه. ابتسم وهو يرفع قدح الشاي إلى شفتيه. وبينما يحدّق من وراء الزجاج إلى الشارع المزدحم، لمح على الرصيف فتاة تحمل حقيبة زرقاء، تمشي بخطوات سريعة. للحظة رفعت رأسها، فالتقت عيناها بعيني سعد الذي كان يعبر الشارع. توقفت، ابتسمت بخجل، ثم تابعت سيرها.
لم تكن تلك الابتسامة طويلة، لكنها كانت كافية لتترك في قلب سعد وهجاً جديداً، كأنها تقول له: حتى في الفوضى، هناك دائماً ما يستحق الانتظار. أحمد من مكانه رأى المشهد، شعر أن ما حدث أمامه لم يكن مجرد صدفة، بل رسالة خفية من الحياة: أن التكافل لا يقتصر على دفع سيارة متعطلة، بل يمتد ليشمل القلوب، فتدفعها هي الأخرى نحو الأمل.
في تلك اللحظة، بين رجل مسن استعاد ثقته بالناس، وشابٍ اكتشف معنى ابتسامة عابرة، وبغداد التي تئن تحت أعبائها لكنها لا تنكسر… بدا المشهد كله كأنه وعد: الوطن، مهما حاولوا تفتيته، سيظل قادراً على إنجاب لحظات صغيرة، لكنها أعمق من كل شعارات العالم.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرصاصة الرابعة
- الجندي المجهول _ حكاية الهوية العراقية
- نور في العتمة
- أشبيدي آنه ؟
- صوت وطن
- الضفة الاخرى
- مدرسة الطين
- عقاب الماء البارد
- ومضات العمر
- دم في نفس الشارع
- السوق _دكة العطار
- حين سلمني ابي
- الكرسي الفارغ
- حلم التخرج
- النافذة التي لا تُفتح
- بين النخيل
- حين تسقط الاقنعة
- صحوة القلب
- زهرة ذبلت قبل الربيع٤
- الصندوق الأخير


المزيد.....




- فيلم “صوت هند رجب” يفوز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقي ...
- -فوات الأوان- لمحمد أبو زيد: في مواجهة الوقت الذي أفلت
- صوت هند رجب: فيلم عن غزة يفوز بالأسد الفضي لمهرجان البندقية ...
- فيلم -هند رجب- يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائ ...
- جائزة الأسد الفضي لـ -صوت هند رجب- في مهرجان البندقية السينم ...
- -صوت هند رجب-... أبرز الأفلام المرشحة لنيل -الأسد الذهبي- بم ...
- أبكى الجمهور... فيلم التونسية كوثر بن هنية حول غزة مرشح لنيل ...
- فيلم -هجرة- للسعودية شهد أمين يفوز بجائزة -NETPAC- في مهرجان ...
- مهرجان البندقية السينمائي: اختتام دورة تميزت بحضور قوي للسيا ...
- -التربية-: إعادة جلسة امتحان اللغة العربية لطلبة قطاع غزة في ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - السيّار… حين يتوقف الحديد وتتحرك القلوب