أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - الزانية














المزيد.....

الزانية


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8465 - 2025 / 9 / 14 - 18:09
المحور: الادب والفن
    


(حكاية رسالة جاءت متأخرة)

في ليلة شتوية باردة، جلس محمود في غرفة الجلوس وحيدًا. طرق ساعي البريد بابه وسلّمه ظرفًا بنيًا باهت اللون يحمل طابعًا من بلدٍ بعيد. فتحه بيد مرتجفة، فوجد داخله ورقة قصيرة بخطّ مرتبك:
"لا تسأل عني… ولا عن حياتي. كل صباح أفتش عن وجه صغير فلا أجده. قل لابنتي إن أمها ضيّعت نفسها قبل أن تضيّعها. سامحني إن استطعت… أو اتركني أُدفن في لعنة فعلي. فأنا… كنت زانية، وهربت من نفسي قبل أن أهرب منكم."
قرأ السطور مرارًا، ثم أسند رأسه إلى ظهر المقعد، كأن الكلمات أثقلت صدره أكثر مما يحتمل.
الخيانة لا تولد فجأة، بل تتسلل كالظلّ إلى النفوس التي ينهشها الفراغ. قد يبرّر الإنسان لنفسه أفعاله، يقنع قلبه أنّه يبحث عن حياة أو دفء أو حب، لكن المجتمع لا يرى إلا الحقيقة العارية: سقطة لا يغسلها اعتذار، وجرح لا يندمل. وهكذا، فإنّ لكل خطيئة حكاية، ولكل زلة ثمنًا. وهذه… كانت حكاية سعاد.
كانت تبدو للناس امرأة محظوظة: بيت واسع في حي راقٍ، طفلة صغيرة كزهرة ندية، وزوج ميسور لا يبخل بطلب. صديقاتها كنّ يتهامسن بغيرةٍ مكتومة، والجميع يراهما عائلة مثالية. لكن خلف هذا البريق، كان هناك فراغ يتسع يومًا بعد يوم. محمود، رغم طيبته وحنانه، كان غارقًا في أعماله. يعود متعبًا، يبتسم قليلًا، ثم ينشغل بحساباته وأوراقه. الطفلة كانت عزاءً صغيرًا، لكنها لم تمنع الوحدة من التسلل إلى روح أمها.
في إحدى شركات زوجها، صادفت أمجد، موظفًا شابًا يصغرها بعشر سنوات. لم يكن يملك شيئًا، لكنه كان ينظر إليها بعينين صافيتين، ويحادثها ببساطة لم تعرفها من قبل. خفق قلبها خفقة غريبة، ثم بدأت تقنع نفسها: «أنا فقط أبحث عن لحظة دفء، لا أكثر.» لكنها كانت تعرف في أعماقها أن ما تفعله زنا، لا يغسله ماء. ومع ذلك انساقت خطوة بعد خطوة: نظرات، أحاديث، لقاءات قصيرة، ثم شقة صغيرة في حي منزوي. هناك كانت تضحك وتهمس وتخدع نفسها بأنها استعادت حياتها.
غير أن محمود لم يكن غافلاً. لاحظ تغيّرها: خروج متكرر، إهمال للبيت، برود مع الطفلة. استعان بمن يراقبها، فجاءته الأدلة دامغة. أخذ أخاها سعد إلى الشقة، فشاهدا ما لا يُحتمل أن يُرى. جلس محمود طويلًا على كرسيه، يضغط جبهته بكفيه كأنما يريد أن يعصر من رأسه فكرة تنقذه، لكن لا شيء سوى الصمت. أما سعد، فقد انكسر بين الغضب والعار، عاجزًا عن الكلام.
وعندما علمت سعاد أنّ سرّها افتضح، لم تدافع، لم تبكِ. في تلك الليلة، وقفت أمام مرآتها طويلًا، ثم جمعت حقيبة صغيرة وغادرت بلا وداع. قيل إنها ذهبت إلى الشمال، ومنها إلى أوروبا. انقطعت أخبارها كأنها تبخرت. البيت بقي، العمارة والشركات بقيت، لكن طفلتها كبرت وهي تسأل: «أين أمي؟»، والجميع يتهرّب من الجواب.
والآن، بعد سنوات، جاءت الرسالة لتعيد فتح الجرح. رسالة امرأة لم تجد في الغربة سوى مرآة تكشف سقوطها. أغلق محمود الدرج على الورقة وأطفأ الضوء. في الخارج كان المطر يتساقط ببطء، وفي الداخل ساد صمت ثقيل. الطفلة، وقد صارت صبية، جلست تتأمل صورة قديمة تجمعها بأمها. لم تعرف الحقيقة كاملة، ولم يقل لها أحد.
وبقي السؤال معلّقًا بلا جواب:
هل كانت سعاد ضحية وحدتها، أم أسيرة ضعفها؟
لكن المؤكد أنّ المجتمع لم يرَ سوى الحقيقة العارية: سعاد… زانية.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين صار الحزن انا
- انتظر .... عسى الله يفرجها
- ابتسامة على دفتر الدَّين
- نزف الغياب
- ظلّ البطاقة
- لقاء الأرواح
- أبنة السجان
- السيّار… حين يتوقف الحديد وتتحرك القلوب
- الرصاصة الرابعة
- الجندي المجهول _ حكاية الهوية العراقية
- نور في العتمة
- أشبيدي آنه ؟
- صوت وطن
- الضفة الاخرى
- مدرسة الطين
- عقاب الماء البارد
- ومضات العمر
- دم في نفس الشارع
- السوق _دكة العطار
- حين سلمني ابي


المزيد.....




- كلاكيت: الذكاء الاصطناعي في السينما
- صدر حديثا. رواية للقطط نصيب معلوم
- أمستردام.. أكبر مهرجان وثائقي يتبنى المقاطعة ويرفض اعتماد صن ...
- كاتب نيجيري حائز نوبل للآداب يؤكد أن الولايات المتحدة ألغت ت ...
- إقبال كبير من الشباب الأتراك على تعلم اللغة الألمانية
- حي الأمين.. نغمة الوفاء في سيمفونية دمشق
- أحمد الفيشاوي يعلن مشاركته بفيلم جديد بعد -سفاح التجمع-
- لماذا لا يفوز أدباء العرب بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - الزانية