أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - نزف الغياب














المزيد.....

نزف الغياب


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 03:58
المحور: الادب والفن
    


النزفُ ليس دمًا فقط، إنّما غيابٌ يتمدّد في الشرايين حتى يصير حياةً ناقصة، وظلًّا مكسورًا. كم يشبهني هذا الليلُ حين يُطيل صمتهُ، فأجلس في غرفتي التي ازدحمت بجدرانها الضيّقة، أُصغي إلى عقارب الساعة وهي تنحرُ الوقت ببطء، كأنها تسخر من خوائي.
أنا الغريبُ في بيتي، الغريبُ في جسدي. أفتّش عن دفءٍ في الوسائد فلا أجد سوى برودةٍ تُشبه ارتعاشَ قلبي. الريح خلف النافذة تطرقُ كأنها تستأذن، لكنّها حين تدخل، لا تحمل غير صدى الغياب، ولا تترك وراءها إلّا أوراقًا تتطاير بلا ترتيب، كما تتطاير أيّامي بعد الفقد.
كيف يُمكن للذاكرة أن تُصبح مشرطًا؟ تفتحُ جروحًا وهميّة في كل زاويةٍ من المكان. صورةٌ على رفٍّ مُهمل، رائحةُ عطرٍ عالقٍ في ثوبٍ قديم، أو كلمةٌ مؤجلة لم تُقال… كلّها تنهشني كأنها قطيعٌ من صمتٍ متوحّش.
أجلسُ طويلًا أمام المرآة، لا أرى وجهي، بل أرى فراغًا يحدّق فيّ، يسألني: إلى أين تمضي بالحنين؟ فأرتبك، أصمت، وأتظاهر أنني لم أسمع. لكن الحقيقة تلاحقني: أنا لا أمضي، إنّما أعود إلى جرحٍ واحد، أعود إليه في كل ليلة، كما يعود الجريحُ إلى نزفه ليقيس بقاءه.
أحيانًا أسأل نفسي: أيمكن أن يكون الغياب كائنًا حيًّا؟ يمدّ أذرعته في أركان الروح، يسرق ضوء النهار، ويصبغ الأشياء بلونٍ رماديّ لا يزول. وإن كان كذلك، فلماذا تعلّمتُ أن أتعايش معه بدل أن أقاومه؟ أهو استسلام، أم وفاء، أم هو جرحٌ يرفض أن يتنازل عن مكانه في القلب؟
الغيابُ نزيفٌ صامت، يعلّمنا أن نبتسم كي لا يفتضح وجعنا، ويجعل من الدموع لغةً سرّية لا يقرأها أحد. وربما، في مكانٍ آخر، يجلس الغائبون ويبتسمون حين يرون كيف نحمل أسماءهم كصلبانٍ على أكتافنا، دون أن نجرؤ على إسقاطها.
أُطفئ المصباح، يزداد الليلُ كثافة، وأغمض عينيّ على خاطرٍ يمرّ كريحٍ باردة: ومهما أعدتُ النظر في دروب الغياب، يبقى السؤال يطاردني بلا رحمة… هل نحن من نفقدهم، أم هم من يفقدوننا أوّلًا؟



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظلّ البطاقة
- لقاء الأرواح
- أبنة السجان
- السيّار… حين يتوقف الحديد وتتحرك القلوب
- الرصاصة الرابعة
- الجندي المجهول _ حكاية الهوية العراقية
- نور في العتمة
- أشبيدي آنه ؟
- صوت وطن
- الضفة الاخرى
- مدرسة الطين
- عقاب الماء البارد
- ومضات العمر
- دم في نفس الشارع
- السوق _دكة العطار
- حين سلمني ابي
- الكرسي الفارغ
- حلم التخرج
- النافذة التي لا تُفتح
- بين النخيل


المزيد.....




- آنا وينتور تدلي برأيها الحقيقي في فيلم -الشيطان يرتدي برادا- ...
- فاطمة الشقراء... من كازان إلى القاهرة
- هل يعود مسلسل (عدنان ولينا) من جديد؟!
- فيلم -متلبسا بالسرقة-.. دارين آرنوفسكي يجرب حظه في الكوميديا ...
- طالبان وتقنين الشعر.. بين الإبداع والرقابة
- خطأ بالترجمة يسبب أزمة لإنتر ميلان ومهاجمه مارتينيز
- فيلم -هند رجب- صرخة ضمير مدويّة قد تحرك العالم لوقف الحرب عل ...
- خالد كمال درويش: والآن، من يستقبلنا بابتسامته الملازمة!
- فنانون عالميون يتعهدون بمقاطعة مؤسسات إسرائيل السينمائية بسب ...
- الترجمة بين الثقافة والتاريخ في المعهد الثقافي الفرنسي


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - نزف الغياب