أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - رسائل لم تصل














المزيد.....

رسائل لم تصل


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 09:45
المحور: الادب والفن
    


رسائل لا يفتحها البريد

الأمكنة ليست جدرانًا وكراسٍ فحسب، بل صناديق أسرار تحفظ ما عجز الناس عن نسيانه. والمقاهي، أكثر من غيرها، شاهدة على ضحكات الشباب ودموع الشيوخ.
خرج الحاج محمود من مقهى أم كلثوم بخطوات مثقلة، كأن كل خطوة تجر خلفها جبلًا من الذكريات. لمس بيده الطاولة الخشبية قبل أن يغادر، ثم نظر إلى الكرسي المقابل له. كان فارغًا، كما اعتاد أن يجده كل صباح، كأنه ينتظر ضيفًا غائبًا. لكن ماذا جرى في الداخل؟ ولماذا بدا قلبه مثقوبًا أكثر من العادة؟
قبل دقائق فقط، كان جالسًا في زاويته المعتادة. قدح الشاي أمامه، وعيناه تسرحان بين المارة. بجواره جلس الحاج جاسم، صديقه ورفيق الطاولي، يربّت على كتفه محاولًا أن يخفف من شروده:
"يا أبا علي... الذي مضى مضى. مشيئته فوق كل شيء."
لكن كلمات المواساة ارتدت في داخله مثل صدى في بئر عميقة.
في الجهة الأخرى، كان شاب وفتاة يتبادلان الهمسات والضحكات المرتبكة. ضحك الشاب فجأة، فحضرت ضحكة ابنه الراحل في اللحظة نفسها. تذكر يوم كان ابنه يحدثه عن ابنة خالته سمية، وكيف وعدها بالزواج بعد إنهاء الخدمة العسكرية... لكن الحرب سرقت الوعد والابن معًا.
حين ارتفع صخب الملاعق على الاستكانات، خُيّل إليه أنها نواقيس تضرب صدره. عندها مد يده ببطء إلى الطاولة الخشبية، كما لو أنه يودّع ابنه من جديد، ثم نهض تاركًا وراءه الكرسي الفارغ... ذاك الذي يشبه قلبه.
في شارع الرشيد، سار بخطوات متثاقلة حتى وصل إلى مكتبة صغيرة مطلة على شارع المتنبيء .
. هناك، سمع شابًا يسأل البائع:
"عندك صورة للفنانة سمية الخشاب؟"
ارتعش قلبه. الاسم وقع في أذنه كجرس قديم، وأيقظ ذكرى حاول أن يدفنها لسنوات. ابتلع أنفاسه، ومضى، والاسم يتردّد في صدره كأنه يُنادى من بعيد: "سمية... سمية..."
وشعر أن الكرسي الفارغ يتبعه حتى خارج المقهى.
وفي صباح اليوم التالي، عاد إلى المقهى. جلس في مكانه، كأنه يختبر نفسه. الطاولة أمامه كما هي، والكرسي المقابل فارغ كعادته. لكنه ما لبث أن وقعت عيناه على الشاب والفتاة نفسيهما، يجلسان في نفس الطاولة، يتهامسان بخجل المحبين. التفت الشاب نحوه مبتسمًا وقال:
"صباح الخير عمو."
رفع الحاج محمود رأسه، وردّ بصوت متهدج:
"الله يسعدكم... دنياكم عامرة بالفرح."
كانت كلمات قليلة، لكنها خرجت كأنها دعاء مؤجل لابنه الغائب.
ولأول مرة منذ سنين، أحسّ أن الكرسي الفارغ أمامه لم يعد مجرد فراغ، بل نافذة صغيرة يمكن أن يدخل منها النور.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صوت المطر على المظلة المعدنية
- السماء المفتوحة
- غروب في المقبرة
- مذكّرات قائد فرقة عسكرية / ١
- أنابيب ضائعة
- دم الشهيد بين المكاتب
- تأملات راحل
- الجامعة وجرح لا يندمل
- بين البندقية والباسون
- ذكريات لا تُنسى / ٣
- ذكريات لا تنسى / ١
- ذكريات لا تُنسى / ٢
- ذكريات لا تموت
- الزانية
- حين صار الحزن انا
- انتظر .... عسى الله يفرجها
- ابتسامة على دفتر الدَّين
- نزف الغياب
- ظلّ البطاقة
- لقاء الأرواح


المزيد.....




- زهران بن محمود ممداني.. من صفعة ترامب بفوز -فخر الهند- والنا ...
- من غزة إلى عيتا الشعب.. حين يتحول الألم إلى مسرح
- الممثلة التركية فهريّة أفجين تتألّق بتصميمين عربيين في أبوظب ...
- تعاون جديد بين دمشق وأنقرة عنوانه -اللغة التركية-
- -ليلة السكاكين- للكاتب والمخرج عروة المقداد: تغذية الأسطورة ...
- بابا كريستوفر والعم سام
- ميغان ماركل تعود إلى التمثيل بعدغياب 8 سنوات
- بمناسبة مرور 100 عام على ميلاده.. مهرجان الأقصر للسينما الأف ...
- دراسة علمية: زيارة المتاحف تقلل الكورتيزول وتحسن الصحة النفس ...
- على مدى 5 سنوات.. لماذا زيّن فنان طائرة نفاثة بـ35 مليون خرز ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - رسائل لم تصل