أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - كرسيٌّ فارغ… ووردةٌ على الطاولة














المزيد.....

كرسيٌّ فارغ… ووردةٌ على الطاولة


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


(حينَ يُدرِّس الغيابُ معنى الحضور)

في كلِّ مكانٍ يتركه الغائبُ، تظلُّ الأشياءُ تنبضُ بما كان.
الكرسيُّ لا ينسى من جلس عليه، كما لا تُنسى الأرواحُ التي مرّت على الأرضِ وتركتْ عطرَها بيننا.
وأحيانًا لا يكون الغيابُ موتًا فحسب، بل درسًا في معنى الحضور،
حين يصبحُ الصمتُ أكثرَ بلاغةً من الكلام.

صباحٌ هادئٌ في مدرسةٍ ابتدائيةٍ ببغداد.
الشمسُ تتسلّلُ خجولةً من نوافذِ الصفّ، تنثرُ أشعّتها على الطاولاتِ المصفوفة بعنايةٍ طفولية.
دخلتْ المعلمةُ ميس سعاد كعادتها، تحملُ دفترَ الحضورِ وكوبَ الشاي الذي يرافقُها كلَّ صباح.
توقّفتْ عند البابِ فجأةً… ثم نظرتْ نحو زاويةِ الصفِّ اليمنى حيثُ يجلسُ علي، الطالبُ الذي لم يحضرْ منذُ أسبوع.
كان الكرسيُّ فارغًا، لكن في الفراغِ شيءٌ يشبهُ الوجع.
تقدّمتْ بخطواتٍ بطيئة، وضعتْ الدفترَ على مكتبِها،
ثم عادتْ نحو الكرسيّ الفارغ. أخرجتْ من حقيبتِها وردةً بيضاء صغيرة، كانت قد قصّتْها من شجيرةٍ في بيتِها فجرًا.
وضعتْها على الطاولةِ برفقٍ، كما لو كانت تضعُها على قلبٍ ينامُ تحتَ التراب، وقالتْ بصوتٍ حاولتْ أن تُخفي فيه ارتجافَها:
ـ «هاي الوردة… لروح أبوك، حتى تبقى تحضر ويانه يا علي.»
ساد الصمتُ كأنَّه صلاة.
تجمّدتْ النظراتُ في عيونِ الأطفال، بعضُهم خفَضَ رأسَه، وبعضُهم أخذَ يُحدِّق بالوردةِ كأنّها شيءٌ مقدّس.
ثم فجأةً، انهمرتِ الدموعُ كقطراتِ مطرٍ على دفاترِ الدروس.
قالَ أحدُ التلاميذِ بصوتٍ متقطّعٍ:
ـ «ميس… راح يرجع؟»
لم تُجبْ. اكتفتْ بأن وضعتْ يدَها على الكرسيّ،
وكأنّها تُربّتُ على كتفِ الغيابِ نفسِه.
خارجَ الصفّ، كان صوتُ الأجراسِ يمتزجُ بأصواتِ أطفالٍ آخرين يركضون في الساحة.
وحدهُ هذا الصفُّ بقي ساكنًا، كأنَّ الحزنَ ألقى عليه درسًا لا يُمحى من الذاكرة.
تحرّكتِ النسمةُ عبرَ النافذة، فاهتزّتِ الوردةُ على الطاولة.
ظنَّ الأطفالُ أنَّ عليًّا ابتسمَ لهم من مكانٍ بعيد.

لم يكن الكرسيُّ مجرّدَ قطعةِ خشبٍ تُركتْ بلا صاحب؛
بل ذاكرةٌ مفتوحةٌ على معنى الفقدِ الإنسانيّ.
تعلّمَ الصغارُ في ذلك الصباح أنَّ الدرسَ لا يُكتَبُ دائمًا على السبّورة،
بل يُكتَبُ أحيانًا على قلوبِهم،
وأنَّ الوردةَ يمكن أن تكونَ كتابَ حياةٍ بأكملِه.
فالذينَ يغيبون، يتركونَ خلفَهم مقاعدَ تُدرّسُنا الصبر،
وورودًا تُعلّمُنا أنَّ الوفاءَ أجملُ من النسيان.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرثيّة الظلّ البعيد
- عزاء في الأزقة
- وصيّة في باص مزدحم
- رائحة الخبز في بغداد
- ساعة لا تدقّ
- مقعد في قاعة الانتظار
- حُلْمٌ يُحاكَمُ في اليقظة
- كلية واحدة للحب
- مرثيَّةُ الرُّوحِ الغائبة
- الطريق الى المخيم
- رسالة لم تُسلَّم
- ذاكرة التيار
- الفستان
- حذاء صغير عند العتبة
- ليل المستشفى
- رسائل لم تصل
- صوت المطر على المظلة المعدنية
- السماء المفتوحة
- غروب في المقبرة
- مذكّرات قائد فرقة عسكرية / ١


المزيد.....




- تونس.. كنيسة -صقلية الصغيرة- تمزج الدين والحنين والهجرة
- مصطفى محمد غريب: تجليات الحلم في الملامة
- سكان غزة يسابقون الزمن للحفاظ على تراثهم الثقافي بعد الدمار ...
- مهرجان الكويت المسرحي يحتفل بيوبيله الفضي
- معرض العراق الدولي للكتاب يحتفي بالنساء في دورته السادسة
- أرشفة غزة في الحاضر: توثيق مشهد وهو يختفي
- الفنان التركي آيتاش دوغان يبهر الجمهور التونسي بمعزوفات ساحر ...
- جودي فوستر: السينما العربية غائبة في أمريكا
- -غزال- العراقي يحصد الجائزة الثانية في مسابقة الكاريكاتير ال ...
- الممثل التركي بوراك أوزجيفيت يُنتخب -ملكًا- من معجبيه في روس ...


المزيد.....

- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - كرسيٌّ فارغ… ووردةٌ على الطاولة