أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ألمُ الفقد














المزيد.....

ألمُ الفقد


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 08:34
المحور: الادب والفن
    


ليست الفواجعُ وحدها من تكشفُ معدنَ الناس، بل الصمتُ الذي يليها.
حين يرحلُ من نحب، يرحلُ معه الامتحانُ الأخيرُ للقلوب التي ادّعت القرب.
فالموتُ لا يُطفئ الحياة، بل يُشعلُ الحقيقة.

تسلّل ضوءُ العصر باهتًا إلى غرفةٍ خلت من أنفاسها.
جلس عيسى أمام سريرٍ لم يبقَ عليه سوى غطاءٍ مطويٍّ بعناية، يتأمّل صورةَ زوجتهِ المرحومةِ المعلّقةِ على الجدار.
تمتمَ بصوتٍ مبحوح:
"حتى السلام بطّلوا منه، يا أم حسن... كِلّ واحدٍ مشغول بنفسه."
في صباحِ يومِ الأربعين، التفتَ إلى ابنه قائلاً:
ـ «ابني حسن، ناوي أذبح خروف على روح المرحومة، وادّعي الجيران والكَرايب.»
فردّ حسنُ متردّدًا:
ـ «بابا، الما جاك بحزنك، شيفيد تعزمه بوليمة؟»
ابتسم الأبُ ابتسامةً شاحبة وقال:
ـ «يمكن الله يهديهم يا ولدي، ويلمّنا مثل قبل.»
تنهد حسن وقال:
ـ «براحتك يا يابه... بس خاف تزعل إذا ما إجه أحد.»

حين أذّن الظهر، فرشَ عيسى المائدةَ بيدين مرتجفتين.
انتظر طويلًا، لكن المقاعد ظلّت فارغة، والسكوتُ أوسعُ من الغرفة.
كلُّ شيءٍ ساكنٌ إلا قلبُه، يضجُّ بنداءاتٍ لا يُجيبها أحد.
خرجَ حسن إلى الزقاق، وفي رأسه فكرةٌ خاطفة.
صرخَ بأعلى صوته:
"الحكونة يا ناس! بيتنا احترك!"
ركضَ بين البيوت وهو يلهث من شدّة الألم، لكن لم يُجبه أحد.
النوافذُ موصدة، والوجوهُ خلف الأبواب صمّاء.
فقط ثلاثةُ غرباءٍ تصادف مرورُهم في الزقاق، ومعهم سائقُ تكسي أوقف سيارتَه، حمل مطفأةَ الحريق وهرعَ معهم.
دخلوا الدارَ مسرعين... فلم يجدوا نارًا، بل وجدوا الأبَ جالسًا حول مائدةٍ لم يلمسها أحد.
نظرَ حسنُ إلى أبيه، ثم إلى الغرباء، وقال بصوتٍ متهدّج:
"هؤلاء فقط يا والدي... هم من لبّوا النداء، وهم من يستحقّون الوليمة."
ابتسمَ عيسى ابتسامةً دامعة، وقال في نفسه:
"ما أعظم الله حين يُريك الناسَ على حقيقتهم بامتحانٍ صغير."
جلسَ مطرقًا، والدمعةُ تتأرجح في عينيه.
أدرك أن الولائم لا تُقامُ بالطعام، بل بالموقف،
وأن الإنسان لا يُكرَّمُ بموته، بل بصدقِ من يبقى بعده.
ربّتَ على كتفِ ولده هامسًا:
"وليدي... إنت على حق."
وفي تلك اللحظة، فهمَ حسنٌ أن أباه لم يخسر زوجته فقط،
بل خسرَ العالمَ معها.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبضٌ لا يموت
- ضجيجُ العيش وصمتُ الحكمة
- حديقة البيت رقم ١٧
- ظل الصباح
- الملفد ١٩٥٤ / ظل الجسر
- مقهى على دجلة
- كرسيٌّ فارغ… ووردةٌ على الطاولة
- مرثيّة الظلّ البعيد
- عزاء في الأزقة
- وصيّة في باص مزدحم
- رائحة الخبز في بغداد
- ساعة لا تدقّ
- مقعد في قاعة الانتظار
- حُلْمٌ يُحاكَمُ في اليقظة
- كلية واحدة للحب
- مرثيَّةُ الرُّوحِ الغائبة
- الطريق الى المخيم
- رسالة لم تُسلَّم
- ذاكرة التيار
- الفستان


المزيد.....




- 2025 بين الخوف والإثارة.. أبرز أفلام الرعب لهذا العام
- -سيتضح كل شيء في الوقت المناسب-.. هل تيموثي شالاميه هو مغني ...
- أهلًا بكم في المسرحية الإعلامية الكبرى
- الأفلام الفائزة بجوائز الدورة الـ5 من مهرجان -البحر الأحمر ا ...
- مهرجان -البحر الأحمر السينمائي- يكرم أنتوني هوبكنز وإدريس إل ...
- الفيلم الكوري -مجنونة جدا-.. لعنة منتصف الليل تكشف الحقائق ا ...
- صورة لغوريلا مرحة تفوز بمسابقة التصوير الكوميدي للحياة البري ...
- حفل ختام مهرجان البحر الأحمر السينمائي.. حضور عالمي وتصاميم ...
- -رسالة اللاغفران-.. جحيم المثقف العربي وتكسير أصنام الثقافة ...
- مصر: مبادرة حكومية لعلاج كبار الفنانين على نفقة الدولة


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ألمُ الفقد