أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ذكرى لا تُباع














المزيد.....

ذكرى لا تُباع


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 11:53
المحور: الادب والفن
    


إهداء

إلى كلّ يدٍ رفعت بيتًا بالصبر،
إلى كل قلبٍ آثر الجوع على أن يبيع ذكرى،
إلى المرأة التي لا تُشبه أحدًا… ولا يراها الجميع،
لكنها… إذا غابت، غاب البيت كلّه.
نحن لا نعيش بالأعمار…
نعيش بما تعلّق في داخلنا من لحظات مرّت ولم تقل وداعًا.
كل شيء يمكن استبداله:
المال… الثياب… البيوت… وحتى المدن.
إلا الذكرى حين تمتزج بالروح،
فإنها تتحول إلى شكل آخر من الدم.
وهناك أشياء يعرف القلب أنها ليست ملكًا للوقت،
بل الوقت هو الذي يقف خادمًا أمامها.
ومن هذه الأشياء…
ساعةٌ بسيطة،
كانت تحمل قلبًا كاملاً.

أمدُّ يدي إلى الدرج ببطء.
أعرف صوته، وأعرف أن خلف خشبته الصغيرة
تسكن حياة كاملة.
أفتحه.
فهناك… كما كانت دائمًا…
ساعةٌ صغيرة، خجولة، لا تلمع كثيرًا، ولا تعرف الفخر.
ساعة زوجتي.
أضعها في راحة يدي، فأحسّ بثقلٍ لا يُرى.
ليس ثقل معدن… بل ثقل عمر.
صوت عقاربها هادئ…
يشبه أنفاسها حين كانت تنام بقربي،
قبل أن تأخذها الأيام من بين يدي.
لم تكن الساعة ثمينة.
كنتُ قد اشتريتها يوم خطوبتنا في مدينة الثورة.
لا أملك إلا راتبًا بسيطًا وقلبًا يركض نحوها.
أما هي…
فكانت ترفع يدها بخجل، تتحسس الساعة
كما يتحسس المرء بداية حياة.
قالت يومها، بصوت يشبه الضوء:
"هاي الساعة مو وقت… هاي بداية."
بنت بيتنا من رائحتها… من طيبتها… من صبرها.
كانت ربة بيت، لكن قلبها كان يسع مدينة كاملة.
ثم جاء الحصار…
وجاء الجوع الذي لا يخجل من أحد.
ذات ليلة…
جلسنا على حصيرة الغرفة.
الليل ثقيل… والقلوب متعبة.
مدّت يدها نحو الرف.
أخذت الساعة.
قلّبتها بين أصابعها كما لو أنها تودّع شيئًا حيًا.
قالت بصوتٍ متماسكٍ من الخارج… مكسورٍ من الداخل:
"خذها… وبِعها.
الجوع يذل الإنسان… وإحنا عدنه أطفال."
نظرتُ إليها طويلًا.
إلى المرأة التي كانت تحاول أن تحمي حتى ألمها مني.
اقتربتُ منها… وقلت:
"نبيع شنو؟
هذا اليوم اللي اجتمع بيه قلبين؟
هاي مو ساعة… هذا عمر.
واللي يبيع ذكرى…
ما يبقى عنده عمر."
وضعت الساعة قرب صدرها
كأنها تُعيد نبضًا إلى مكانه.
في الصباح خرجتُ أبحث عن عمل.
عملت في البناء، والحجارة كانت أثقل من جسدي.
جُرحت يدي، وتعبت روحي،
لكنني عدتُ مبتسمًا.
لم نبع الساعة.
والغريب… أننا لم نجُع بعدها.
وكأن البركة
كانت في قلبها.
اليوم…
هي غابت.
وغاب معها لون البيت… وصوت البيت… وحياة البيت.
أفتح الدرج كل ليلة.
أخرج الساعة.
أضعها على صدري.
وأسمع صوت عقاربها كأنها تناديني باسمي:
"لا تبيع الذكرى…
حتى لو ضاع العمر."
وأُغلق الدرج ببطء…
وكأنني أغلق بابًا يؤدي إلى السماء.
ليس الفقد هو الموت.
الفقد هو أن يتوقف الإنسان عن سماع الصوت الذي كان يراه بقلبه.
والإنسان لا يحافظ على الأشياء لأنها ثمينة،
بل لأنها شهدت عليه وهو يحب.
لهذا السبب…
كانت الساعة تبقى.
وستبقى.
لأن هناك أشياء
لا تُباع.
ولا تُنسى.
ولا تُستبدل.
كتبتُها وأنا أفتح درجًا… فعاد قلبٌ كان قد غاب.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألمُ الفقد
- نبضٌ لا يموت
- ضجيجُ العيش وصمتُ الحكمة
- حديقة البيت رقم ١٧
- ظل الصباح
- الملفد ١٩٥٤ / ظل الجسر
- مقهى على دجلة
- كرسيٌّ فارغ… ووردةٌ على الطاولة
- مرثيّة الظلّ البعيد
- عزاء في الأزقة
- وصيّة في باص مزدحم
- رائحة الخبز في بغداد
- ساعة لا تدقّ
- مقعد في قاعة الانتظار
- حُلْمٌ يُحاكَمُ في اليقظة
- كلية واحدة للحب
- مرثيَّةُ الرُّوحِ الغائبة
- الطريق الى المخيم
- رسالة لم تُسلَّم
- ذاكرة التيار


المزيد.....




- الوقف السني يدين الشاعر علي نعيم: أي إساءة تُطال الصحابة تسه ...
- مقتل المخرج الأمريكي روب راينر وزوجته بلوس أنجلس واتهام الاب ...
- اعتقال ابن الممثل والمخرج الناقد لترامب روب راينر بتهمة قتل ...
- - سقوط الأفكار- يزجّ بشاعرة شابة إلى الساحة الأدبية الموصلية ...
- جامعة حلب تحتفل باليوم العالمي لعائلة اللغة التركية
- فيلم وثائقي فرنسي-ألماني يقدم قراءة نقدية حادة للواقع المصري ...
- تقرير: الأسد يدرس في موسكو اللغة الروسية وطب العيون
- اللوفر يُغلق أبوابه أمام الزوار اليوم.. ما الذي يحدث داخل ال ...
- مقتل الشاعر أنور فوزات الشاعر في السويداء السورية
- السفير العماني لدى تونس: حريصون على دعم جميع المبادرات التي ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ذكرى لا تُباع