نعمة المهدي
الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 21:52
المحور:
الادب والفن
في المدن الصغيرة، حيث البيوت متقاربةٌ مثل صدور الناس،
وحيث الخبز يُعجن بالعرق والصبر،
تنبتُ قصص لا تُحدث ضجيجًا.
تنمو في الظلال مثل وردةٍ خجولة،
لا يلمحها أحد إلا من كان قلبه يقظًا.
هذه واحدةٌ من تلك القصص…
عن طفلة لم تطلب الدنيا،
بل طلبت للآخرين ما لم تستطع أخذه لنفسها.
كانت سارة في الصف السادس الابتدائي، في مدرسة شعبية على أطراف الديوانية.
طفلة هادئة، شعرها معقود بضفيرة واحدة تهتز مع خطواتها الخفيفة.
تجلس في آخر مقعد، لا لأنها خجولة، بل لأن في داخلها عالمًا يخصها وحدها.
كانت تحمل دفترًا أزرق صغيرًا.
وعندما سألتها المعلمة عنه، قالت ببساطة:
"هذا الدفتر صديقي… وإذا أحچي وياه، يسمعني."
توفي والد سارة وهي في الثالثة.
ترك لها أمًا شابة، وأخًا أصغر منها، وفقرًا مقيمًا لا يذهب.
الأم خبّازة.
تشعل النار في التنور قبل الفجر، والدخان يعلو عينيها، لكنّها تواصل الحياة.
وكانت تقول لابنتها:
"روحي للمدرسة… يمكن الله يفتح باب ما نعرفه."
وسارة تصدّق.
في الشتاء، كانت ترتدي حذاءً صيفيًا ممزقًا، ربطته بخيط.
ورأت المعلمة التشققات في يديها.
سألتها برفق:
"ابنيتي… ماكو صوبه بالبيت؟"
فابتسمت سارة ابتسامة صغيرة، لا تشكي ولا تطلب:
"لا… بس نكعد يم الحايط… الحايط دافي شوي."
وكان هذا الجواب أثقل من كل الكلمات.
في يوم ما، نسيت سارة دفترها على المقعد.
فتحته المعلمة… فُتح قلبها معه.
"أريد أشتغل لما أكبر وأشتري لمي دهن شعر… تعب شعرها من النار."
"أريد أشتري لأخي حذاء… تعبت من أمشي وياه والناس تشوف أرجوله."
"أريد أمي تبتسم… حتى لو يوم واحد."
وفي أسفل الصفحة:
"أريد صوبه… مو إلي… لأمي."
ما فعله المعلمون
جمعوا مبلغًا بسيطًا.
اشتروا حذاءً شتويًا.
ومعطفًا رماديًا.
وزجاجة دهن شعر.
ودفترًا جديدًا.
حين قدّموها لها… لم تبكِ.
وضعت يدها على زجاجة دهن الشعر
وقالت ببسمة صغيرة:
"هسه… أكدر أكتب أحلام جديدة."
بعد سنوات…
كبرت سارة.
وأصبحت معلمة.
وفي أول يومٍ لها في الصف…
رأت طفلة تجلس في آخر المقعد،
بضفيرة واحدة… بيدين متشققتين.
اقتربت منها.
وضعت على طاولتها دفترًا أزرق.
وقالت:
"إذا ضاقت الدنيا… اكتبي.
المهم… لا تطفّين نورچ."
#نعمة_المهدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟