أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ظل سمر














المزيد.....

ظل سمر


نعمة المهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 10:17
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

​لم يكن سامر يتخيّل أن حياته ستتوقّف كلّها عند تلك اللحظة: لحظة انطفاء زوجته ليلى إلى الأبد.
حادثٌ بسيط في الظاهر، لكنه كان كافيًا ليحوّل روحه إلى أرضٍ يابسة لا تنبت فيها إلا الندم.
كان قد سمح لها بأن تقود سيارتهم الصغيرة، رغم معرفته بأنها لم تُتقن القيادة يومًا.
“خلي أجرب… شوية بس”
قالت له بابتسامتها الدافئة، فوافق كما يوافق رجلٌ ضعيف أمام امرأة يحبّها.
وبعد نصف ساعة فقط، انشقّ نهاره بصوتٍ مختنق عبر الهاتف:
“عمي سامر… زوجتك صار عدها حادث… تعال بسرعة!”
​منذ ذلك اليوم، انسحب سامر من الدنيا كلّها. أغلق باب شقته في الكرادة عليه وعلى صدى خطاه. الكرسي الذي كانت تجلس عليه ليلى ما يزال في مكانه، ووشاحها البني معلّق على المشجب كيدٍ ما تزال تلوّح له كل مساء.
وكان صوته الداخلي يجلده بلا رحمة:
“أنا السبب… لو ما مخليها تسوق…”
​لم يتركه صديقه وابن عمته قيس وحده. كان يزوره يوميًا، يجلس أمامه بصمت. ولما بدت علامات الانهيار واضحة على وجه سامر، أخذه قيس إلى بيت والدته في منطقة السعدون .
استشار طبيبًا نفسيًا، فأشار عليه أن يفتح نافذة جديدة في روح صديقه.
​وذات ليلة، حين غفا سامر في بيت العائلة، تسلّل قيس إلى شقته يبحث في متعلّقات ليلى، ليس خيانة لسامر بل حماية له. هناك، بين الأوراق القديمة، عثر قيس على رسائل غرامية مكتوبة بخط ليلى. توقف طويلاً، شعر أن صديقه لا يزال ضعيفًا، وأنه لن يتحمل نارًا أخرى فوق نار ذنبه. مزّق قيس الرسائل وأحرقها في صحن نحاسي قديم، حارساً لصديقه من حقيقة مرّة.

​بعد أسابيع من الإقامة في السعدون، وفي مساءٍ عاصف، قام سامر بخطوة لم يجرؤ عليها منذ أشهر؛ نهض، وفتح النافذة. لم يستنشق هواء بغداد الرطب بقدر ما استنشق إحساسًا غريبًا بالرغبة في أن يرى شيئًا جديدًا.
​شعر قيس بذلك التغيير البسيط، فقرر أن يأخذه في الليلة التالية بعيدًا عن ظلّ الذكرى، إلى كازينو هادئة على ضفاف أبي نؤاس. موسيقى خافتة، نَفَس دجلة الرطب، ورائحة تبغ.
​جلس سامر بلامبالاة، حتى سقطت عيناه على امرأة ترتدي ثوبًا أبيض، تجلس وحدها في زاوية شبه مظلمة. اقتربت منه، ولصوتها أثر يشبه الندى:
– “أتذكرني يا سامر؟”
هزّ رأسه حائرًا.
– “آني سمر… كنا ندرس سوى بكلية العلوم.”
انفتح شريط قديم في ذاكرته؛ نظرات خجولة، حضور هادئ.
قالت بابتسامة حزينة:
– “كنت أحبك… بس انت ما انتبهت. وصدقني يا سامر… ليلى مو مثل ما تتخيل.”
​ارتجّ قلبه، وشعر بالشك يتسلل إلى اليقين.
تابعت سمر، لكن كلماتها هذه المرة كانت عن نفسها، وكأنها مرآة لوجعه:
– “تزوجت مهندسًا تحت ضغط أهلي، بس ما كدرت أمنحه قلبي… صار عندي انهيار نفسي… ودخلت المستشفى.”
​شعر سامر أن بابًا جديدًا يُفتح أمام روحه المحطّمة، ليس باب حب، بل باب فهم متبادل للوجع. لقد وجد روحًا مكسورة مثل روحه تمامًا.
قال لها بحرارة افتقدها منذ زمن:
– “تعالي… احنا الاثنين محتاجين ننسى الماضي ونبدي خطوة جديدة.”
​هزّت رأسها موافقة، ثم قالت:
– “انتظرني... أروح وآخذ رأي أهلي.”
واختفت.

​انتظر سامر دقائق… ثم نصف ساعة ، وهو ينهض ويجلس، يحدّق في الباب.
لاحظ قيس اضطرابه، فاقترب منه وقال:
– “سامر، ها شبيك؟ شنو صاير؟”
​تنفّس سامر بعمق وأخبره بكل ما جرى، بصوتٍ فيه رجاء مكسور.
نظر قيس حوله، ثم إلى طاولة سامر. لم يرَ شيئًا غير قدح قهوة واحد لم يُمس، ورماد تبغ متراكم.
​سأله قيس بحذر:
– “سامر… انت متأكد؟ شفتها زين؟ حجيت وياها ؟”
أومأ سامر بسرعة، كمن يحاول الإمساك بصورة تهرب من ذاكرته.
سكت قيس طويلاً. شعر ببرودة خفيفة تسري في أعماقه، لكنه قرر ألا يواجهه بالصدمة الآن.
​أخذ نفسًا عميقًا وقال برفق:
– “يلا… اليوم كافي. خل نروح.”
​خرج الاثنان من الكازينو.
سامر يمشي بجانب قيس، لكنه لا يرى الطريق… بل يرى ضوءًا أبيض يتلاشى في ذاكرته.
عادا إلى البيت بصمت طويل.
​وسامر لا يدرك أن ما رآه…
لم يكن سوى صدى قلبٍ جريح يبحث عن يدٍ تنتشله من العتمة، وأن يد قيس التي حرقت رسائل الحقيقة، كانت تحاول اليوم أن تنتشله من وهم الأمل أيضًا.



#نعمة_المهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطيئة السابع عشر
- الهروب .... وعودة الروح
- ريح الحنوب في قلب المستنصرية
- الظلّ الذي قتل الحُب
- غيلةُ الروح
- حين تعبر الريح مزرعة الحمّاد
- أنين الدار
- ​همسة الخلاص: الظل الثالث في السعدون
- الزهور التي تكذِب
- رسالةٌ وصلت متأخرة
- جراخ الازقة
- ذكرياتٌ من طُشّارِ العُمر
- بين السماء والأرض
- ذكريات راحلة
- مقهى عند شطّ العرب
- راديو أم خزعل
- جبار البنّاي… آخر حراس الطين
- عدسة مكسورة
- الكشك الأخير
- باب الدفترجي


المزيد.....




- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...
- روبيو: المفاوضات مع الممثلين الأوكرانيين في فلوريدا مثمرة
- احتفاء مغربي بالسينما المصرية في مهرجان مراكش
- مسرحية -الجدار- تحصد جائزة -التانيت الفضي- وأفضل سينوغرافيا ...
- الموت يغيب الفنان قاسم إسماعيل بعد صراع مع المرض
- أمين معلوف إثر فوزه بجائزة أدبية في المكسيك: نعيش في أكثر عص ...
- الدرعية تحتضن الرواية: مهرجان أدبي يعيد كتابة المكان والهوية ...
- أمين معلوف إثر فوزه بجائزة أدبية في المكسيك: نعيش في أكثر عص ...
- يهود ألمانيا يطالبون باسترداد ممتلكاتهم الفنية المنهوبة إبان ...
- هل تقضي خطة ترامب لتطوير جزيرة ألكاتراز على تقاليد سكانها ال ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعمة المهدي - ظل سمر