أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - “نجوت لأرى الفساد حيا”














المزيد.....

“نجوت لأرى الفساد حيا”


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 19:23
المحور: كتابات ساخرة
    


لقد عدت من الموت…

أنا غريق فيضان آسفي.

عدت على شرط واحد فقط: أن أرى بعيني إن كان سبب موتي قد تغير، أو أن الإهمال ما زال حيا يرزق، يتنفس بيننا، ويمشي على الطرقات بلا خوف ولا محاسبة.

لم أعد طويلا، لم أطلب معجزة، فقط جولة قصيرة في دار الباطل قبل أن أقرر العودة إلى دار الحق. وكانت أول محطة لي… الطريق الجھوية رقم 7033، الرابط بين قريتي كرمت بن سالم وبني مرعاز بمدينة مولاي إدريس زرهون.

وهنا، فهمت أن الموت يعرف الطرق جيدا.

محاصر بسيارتي، الطريق غارق، الحفر مفتوحة كأفواه جائعة، والمطر يتساقط بهدوء، كأنه بريء مما يرتكب باسمه.

الأصوات تعالت من جديد، نفس المسرحية التي شاهدتها قبل أن أغرق في آسفي:

– المطر هو السبب!

– المسؤولون تجاهلوا!

– الله غالب!

لكنني أعرف الحقيقة… هذا الطريق يقطع منذ سنوات مع أولى القطرات، وكأن المطر يحمل شهادة إغلاق رسمية. أما المقاول المكلف بربط شبكة الماء بالمنطقة، فلم يكن إلا نسخة أخرى من جلادي القديم: مهندس خراب، لا يرى في الطريق سوى تراب قابل للحفر، ولا يرى في الناس سوى أضرار جانبية.

حفروا الطرق، تركوها في حالة مزرية، استعملوا آلات ثقيلة يمنع قانونيا سيرها فوق الطرقات، لكن من يهتم بالقانون حين يكون الغطاء جاهزا؟

يقال للناس: “هذا مشروع ملكي، لا يجوز الكلام ولا الاحتجاج”.

وكأن الحياة نفسها صارت خارج جدول الأعمال.

حتى طريق عين السي عمار وطريق بومراق، حديثتا النشأة، لم تنج من يد المقاول العابثة. دمرتا بالآلات الثقيلة، شقت فيهما الجراح، وتركتا تنزفان تحت المطر، بلا ترميم، بلا خجل، بلا خوف من الغد.

المشهد كان عبثيا إلى حد القهر:

الطريق يغرق،

الحفر تتسع،

السيارات تصرخ،

والناس ترفع أيديها للسماء.

أما المسؤولون؟

مختبئون خلف المكاتب، خلف البلاغات، خلف كلمات فارغة لا تنقذ إنسانا ولا تصلح حفرة. والمقاول؟ يواصل عمله، يحفر أكثر، يدمر أكثر، ويضحك أكثر.

عندها فقط أدركت:

لم أغرق في آسفي بسبب الماء.

ولن أغرق هنا بسبب المطر.

نحن نغرق بسبب الإهمال حين يصبح قاعدة، وبسبب الفوضى حين تتحول إلى أسلوب تدبير، وبسبب الصمت حين يفرض علينا كواجب وطني.

شعرت بالماء يعود إلي، لكن هذه المرة لم أقاوم.

شعرت بالسلام…

لأن الموت، أحيانا، أرحم من حياة تدار بالحفر، وتحكم بالأعذار، وتقدس فيها المشاريع أكثر من البشر.

فاخترت الرجوع من حيث أتيت.

عدت إلى الدار الآخرة، دار الحق، حيث لا يتهم المطر، ولا يقدس المقاول، ولا يختبأ خلف الشعارات، ولا يدفن الناس أحياء باسم التنمية.

وقبل أن أرحل، أترك لكم هذه الوصية:

المطر بريء.

الماء لا يقتل.

الذي يقتل… هو الإهمال حين يصبح سياسة،

والصمت حين يصبح شراكة،

والطريق حين يترك فخا مفتوحا في وجه الحياة.

نظفوا الطرق…

قبل أن تنظفكم المياه.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «الماء بريء… وأنا الغريق»
- حين يبصر القلب
- قصيدة نثرية: «حين يتكلم الحجر بلساني»
- سوق الدجاج في مولاي إدريس زرهون: مملكة الطائر السامي الذي لا ...
- «حين يختفي الساحر وتبقى القبعة: حكاية السياسة المغربية بين ا ...
- البنى التحتية وال«حلاوة» التنموية: قراءة سوسيولوجية في كهربا ...
- من ظلال التجربة إلى حكمة المسير: شهادة لمن يأتي بعدنا
- قصة تولد الآن في مولاي إدريس زرهون
- -مدينة الرحمة الإلكترونية: حين مات كلب وابتسمت الشاشات-
- أحجار في عيوننا: حين يشتعل الطين بين القرى
- مملكة المرايا المكسورة.. أو حين صار كل مغربي شناقا صغيرا
- “العلم الذي أجلس عليه الوطن”
- خبز مدعم بالورق... وأمة تطحن بالوعود!
- -جماعة وليلي – زرهون: إدارة تبحث عن موظفيها في برنامج «مختفو ...
- في بلاد المغرب... حيث تشتكي الأرض من أهلها والجن من قلة الفه ...
- حين يسائل الزمن ظله... وتذبل الخطب القديمة
- -أمة الأغبياء السعداء: حكاية تطور الغباء من خلل عصبي إلى أسل ...
- من رآه فليستعد
- غوستافو بيترو وغزة: حين يطل صوت من الجنوب على جرح مفتوح
- الحلايقية... حين كان للطفولة مجد آخر


المزيد.....




- موجة أفلام عيد الميلاد الأميركية.. رحلة سينمائية عمرها 125 ع ...
- فلسطينية ضمن قائمة أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم.. تعرف عل ...
- أفلام الرسوم المتحركة في 2025.. عندما لم تعد الحكايات للأطفا ...
- العرض المسرحي “قبل الشمس”
- اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية.. احتفال باللغة وال ...
- المدير التنفيذي لمعجم الدوحة: رحلة بناء ذاكرة الأمة الفكرية ...
- يعيد للعربية ذاكرتها اللغوية.. إطلاق معجم الدوحة التاريخي
- رحيل الممثل الأميركي جيمس رانسون منتحرا عن 46 عاما
- نجم مسلسل -ذا واير- الممثل جيمس رانسون ينتحر عن عمر يناهز 46 ...
- انتحار الممثل جيمس رانسون في ظروف غامضة


المزيد.....

- لو كانت الكرافات حمراء / د. خالد زغريت
- سهرة على كأس متة مع المهاتما غاندي وعنزته / د. خالد زغريت
- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - “نجوت لأرى الفساد حيا”