أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - -أمة الأغبياء السعداء: حكاية تطور الغباء من خلل عصبي إلى أسلوب حياة-














المزيد.....

-أمة الأغبياء السعداء: حكاية تطور الغباء من خلل عصبي إلى أسلوب حياة-


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8482 - 2025 / 10 / 1 - 03:21
المحور: كتابات ساخرة
    


(إلى سعادة رئيس الحكومة: شكرا لأننا ما زلنا على قيد الغباء، وإلى جيل Z: لا تقلقوا، لسنا ضائعين... فقط نعيش في خريطة لا تعمل)

في زمن أصبح فيه الذكاء تهمة، والغباء وسيلة للتأقلم، أجد نفسي أمارس الغباء كنوع من الدفاع النفسي، أو ربما كفن وجودي حديث. دعوني أعترف من البداية: نعم، أنا غبي. غبي بطريقة فنية، بمذاق محلي، مطعم بنكهات وطنية أصيلة. غبي لدرجة أنني أخرج من المنزل مرتديا سروالا مثقوبا وكأنني أشارك في أسبوع الموضا بقرية نائية لم يصلها الإنترنت، لكنني مقتنع تماما أنني أُحدث ثورة في الأزياء، وأنتقد من حولي كأنني خبير في علم الاجتماع، مع أنني بالكاد أفهم نشرات الطقس.

ترامب، الذي يبدو كأن دماغه يشتغل على بطاريات مسروقة، وصفنا بالأغبياء ذات يوم. والأغرب من ذلك؟ صدقته. شعرت أنه يتحدث عني شخصيا، وربما عن الوطن بأكمله، وبدلا من أن أغضب، قررت أن أتبنى الغباء كهوية وطنية. فليكن! إذا كانت الحكومات ترفع شعارات لا تنفذ، فلماذا لا أرفع أنا شعار: "غبي وأفتخر"؟

أبحث عن مستشفى؟ سهل جدا! فقط جهز نفسك لرحلة في عالم الخيال. نظام الرعاية الصحية لدينا لا يشبه سوى لعبة "تحدي العثور على مكان"، حيث العنوان غير موجود، والطبيب غير متوفر، وإن وجد، يكون في راحة دائمة تشبه التقاعد، لكنه ما زال يتقاضى راتبا لأنه "موجود روحيا" في المستشفى. كلما اقتربت من الباب، شعرت أنك تقترب من نهاية لعبة "ماريو"، حيث الوحش الأخير هو موظف الاستقبال الذي يطلب منك ورقة لا وجود لها في أي سجل مدني.

ثم أذهب للبحث عن عمل. وهنا تبدأ ملحمة أخرى. أطرق أبواب مكاتب التشغيل التي تعمل بدوام "النية الصافية"، ويستقبلني موظف يدعى "بريكلور"، لا يعرف شيئا عن الهندسة، لكنه خبير في تصميم الأمل المزيف. ينظر إلي بعين مملوءة بالشفقة وكوب قهوة بارد، ويقول لي بمنتهى الأريحية: "ما كاين والو". السوق واقف، الاقتصاد في غيبوبة، وحتى البطالة تشتكي من الزحمة.

وبين الفوضى والفراغ، أجد نفسي أكتب... من داخل اللثام. لماذا اللثام؟ لأنه الأداة الوحيدة التي تتيح لك أن تنتقد كل شيء دون أن تتهم بأنك تزعج "المصلحة العامة". اللثام هو الحرية المقنعة، والنقد المعقم، والصرخة الخجولة. أقول كل شيء، عن الحكومة، عن المؤسسات، عن الفساد، عن اختفاء الأوراق، وحتى عن سخافة البرامج التلفزية... لكن لا أحد يعرف من أنا. وهذه أجمل لحظة في حياتي، لأني أستطيع أن أُفرغ غضبي بحرية، بينما أعيش في فوضى لا أملك الجرأة على ترتيبها.

أليس هذا هو الغباء الحقيقي؟ أن تنتقد العالم وأنت لا تعرف أين وضعت مفاتيحك قبل ساعة؟ أن تكتب عن أزمة التعليم وأنت لا تعرف إن كنت كتبت "المناهج" بتاء مربوطة أو مفتوحة؟ أن تلوم المسؤولين وأنت تعيش في فوضى إدارية على مستوى شخصي؟ نعم، هذا هو الغباء العظيم، الغباء الذي صار فلسفة، ومجال بحث، ومصدر طاقة.

لكن، وعلى طريقة كبار الفلاسفة — أو صغار الكوميديين — أقول: "ما المشكلة في أن نكون أغبياء إذا كنا نضحك؟". لقد اخترنا الغباء طريقا للسعادة، وتكيفا مع واقع لا يرحم، ووسيلة للبقاء في نظام يجعل التفكير جريمة.

لذلك، دعونا نرفع كأس الغباء بكل فخر، ونهتف بكل ما تبقى من كرامتنا: نحن الأغبياء الأذكياء! نعرف الحقيقة، ونتجاهلها عمدا، لأن الحقيقة أصبحت ثقيلة على القلب، والوعي مكلف جدا، أما الغباء؟ فمريح، وسلس، ويوزع مجانا مع كل فاتورة ماء لا تصل.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من رآه فليستعد
- غوستافو بيترو وغزة: حين يطل صوت من الجنوب على جرح مفتوح
- الحلايقية... حين كان للطفولة مجد آخر
- سروال المملكة المثقوب
- غبار على وجوه الأطفال... وبريق على سيارات الجماعة
- في بني مرعاز... حيث استيقظ المركز الصحي من غفوته الطويلة
- ظل الولي ونور الزائر (من أدب الرحلة الروحية)
- -نداء من قلب مكسور-
- -يسرى... زهرة وسط صخر-
- -بقرار من ميلانيا: باب الأمل في غزة-
- ثمن الشمعة
- لا ظل في الرمل لمن لا ذاكرة له
- الزاوية التي لا تنام
- همس الجبال ونور الأرواح
- -قبل أن أنسى اسمي-
- حبر الندبة في عقدة القمر (بصوت الرجوع، وتنهيدة الختام)
- حبر الندبة في عقدة القمر (بصمت البذور، وتنهيدة الحكاية الساد ...
- حبر الندبة في عقدة القمر (بفم مكموم، وتنهيدة الحكاية الخامسة ...
- أنين القباب في وادي الجني الأسود رواية رمزية – شاعرية – رؤيو ...
- حبر الندبة في عقدة القمر (بنبض الحرف الأخير، وتنهيدة الحكاية ...


المزيد.....




- باريس تودّع كلوديا كاردينال... تكريم مهيب لنجمة السينما الإي ...
- آخر -ضارب للكتّان- يحافظ في أيرلندا على تقليد نسيجي يعود إلى ...
- آلة السانتور الموسيقية الكشميرية تتحدى خطر الاندثار
- ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق ...
- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
- جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي ...
- أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس ...
- -جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
- ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟
- روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - -أمة الأغبياء السعداء: حكاية تطور الغباء من خلل عصبي إلى أسلوب حياة-