أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - ظل الولي ونور الزائر (من أدب الرحلة الروحية)














المزيد.....

ظل الولي ونور الزائر (من أدب الرحلة الروحية)


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8430 - 2025 / 8 / 10 - 22:20
المحور: الادب والفن
    


ثمة لحظات لا تقاس بالساعات ولا تحصى بالأيام، بل تقاس بما تحدثه في القلب من تحول، وما تتركه في الروح من نور. لحظات نادرة لا تشبه غيرها، ينسحب فيها الزمن، وتتقدم المعاني.

بين سنوات 2005 و2010، عشت بعضا من تلك اللحظات، حين جمعتني صداقة نقية مع مجموعة من الفنانين الفرنسيين، أعضاء فرقة "سكان القمر" المسرحية، الذين كانوا يزورونني بانتظام. كنا نلتقي على محبة الفن وتوق الحكمة، لا يجمعنا طمع ولا مصلحة، بل رغبة صادقة في فهم الآخر، والبحث في أعماق الدين والثقافة والتاريخ عن خيط مشترك يوصلنا إلى المعنى.

ليون، ويووان، وسيلفي، ورفيقتهم الجزائرية، كانوا أكثر من ضيوف؛ كانوا رفقاء رحلة روحية غير مرئية. وكل مرة كنا نلتقي فيها، كانت أرواحنا تتحاور بما لا تترجمه الكلمات، بل تفصح عنه النظرات، والهدوء، والأسئلة العميقة.

وذات صباح مشرق، اقترحت عليهم زيارة ضريح جدنا وولينا مولاي إدريس بزرهون. بالنسبة لي، لم تكن الزيارة مجرد مبادرة ثقافية، بل كانت دعوة مفتوحة إلى نقطة التقاء بين النسب الروحي والدم العائلي. فنحن "الوكيليون"، من سلالة هذا الوليّ العظيم، ونحمل معه ذاكرة، ومسؤولية، وربما، اختبارا.

وصلنا إلى بوابة الضريح، وأصدقائي يحملون في قلوبهم فضولا نقيا، لا اختراقا ولا فضولا استشراقيا، بل رغبة صادقة في أن يلامسوا جوهر ما يسمعونه عن الإسلام. لكن، فجأة، أوقفنا المشرفون "حاملي نسب الشبيھي"، وهم أبناء عمومتنا أيضا، وقالوا بحزم: "لا يسمح لغير المسلمين بالدخول."

تجمدت اللحظة. كان في الموقف ما يشبه الطعنة. كيف يمكن أن تغلق أبواب النور في وجه من جاء إليه طواعية؟ كيف يمنع السائل من أن ينهل، فقط لأنه لا يحمل بطاقة الانتماء؟

شعرت بثقل المسؤولية، لا لأنني من سلالة الولي فقط، بل لأنني كنت الجسر بين هؤلاء الزوار، وبين المكان. تحدثت، لا كحفيد مولاي إدريس، بل كإنسان يرى في المعرفة حقا مقدسا، وفي التلاقي طهرا أسمى من الفواصل الدينية.

قلت لهم: "هؤلاء ليسوا سياحا عابرين، بل قلوبا تبحث، وفنانون يحملون هم الفهم والاحترام. ألا يجدر بنا أن نكون، نحن أهل هذا المكان، أول من يفتح الأبواب لمن يطرقها بلطف؟"

دار النقاش، وتراوح بين الحذر والتفهم. ولأن الكلمة الصادقة تفتح ما لا تفتحه المفاتيح، لانت القلوب، وارتفعت الحواجز. سمح لنا بالدخول.

دخلنا في صمت يشبه الخشوع. الضريح، بهيبته ونوره وظلاله، احتضننا كما يحتضن الأب أبناءه. شعرت أن شيئا ما يحدث في عمق يووان. كان صامتا، متأملا، كأن الولي يحدثه بلغته الخاصة.

مرت السنوات، وذات يوم، جاءني الخبر: يووان قد أسلم، لا عن قناعة سطحية، بل بعد رحلة طويلة من التأمل والبحث، صار متصوفا، واختار أن يتزوج من شابة جزائرية طيبة الروح. أما ليون، وسيلفي، فما زالوا يسيرون على درب السؤال، وأنا على يقين أن الحقيقة لن تخذلهم.

في قلب هذه القصة، كان هناك درس: أن الحقيقة لا تحتكر، وأنها لا تمنح لمن يحمل لقبا، بل لمن يحمل نية صافية. وأن من واجب من هم في موقع القرب من الرموز الدينية أن يكونوا جسورا لا حراسا، أدلاء لا سدنة.

وفي هذا السياق، لا يسعني إلا أن أوجه شكرا صادقا لكل المرشدين الدينيين الذين فهموا هذا الدور النبيل، والذين يمارسون مهنتهم لا كوظيفة، بل كرسالة. وأخص بالذكر المرشد الديني سيدي عبد الله الوكيلي الكرمتي، عن منطقة بوذنيب، الذي تحدثت عنه في قصص سابقة، بوصفه نموذجا للمرشد المتفتح، المتأصل، الحاضر، الذي يعلم أن الإسلام الحقيقي لا يدرس فقط، بل يجسد.

في النهاية، لم تكن تلك الرحلة إلى الضريح سوى رحلة داخل الذات، واختبارا للرحمة أمام الوراثة، وللوعي أمام الحواجز. وكانت لحظة عبور... لا من باب مادي، بل من باب الحقيقة.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -نداء من قلب مكسور-
- -يسرى... زهرة وسط صخر-
- -بقرار من ميلانيا: باب الأمل في غزة-
- ثمن الشمعة
- لا ظل في الرمل لمن لا ذاكرة له
- الزاوية التي لا تنام
- همس الجبال ونور الأرواح
- -قبل أن أنسى اسمي-
- حبر الندبة في عقدة القمر (بصوت الرجوع، وتنهيدة الختام)
- حبر الندبة في عقدة القمر (بصمت البذور، وتنهيدة الحكاية الساد ...
- حبر الندبة في عقدة القمر (بفم مكموم، وتنهيدة الحكاية الخامسة ...
- أنين القباب في وادي الجني الأسود رواية رمزية – شاعرية – رؤيو ...
- حبر الندبة في عقدة القمر (بنبض الحرف الأخير، وتنهيدة الحكاية ...
- حبر الندبة في عقدة القمر (بحنجرة الرمل، وتنهيدة الحكاية الثا ...
- حبر الندبة في عقدة القمر(بصوت الغياب، وتنهيدة الحكاية الثاني ...
- الاستدعاء الشفهي: حين تتحول الإجراءات إلى فصول من العبث الإد ...
- حبر الندبة في عقدة القمر (بلسان العفاريت، وتنهيدة الحكاية ال ...
- -الذين لم يصفق لهم… لكنهم يستحقون الوطن-
- -خرائط على جثث الطيور-
- كرمة بن سالم تروي... حين تتكلم القرى ويسكت بعض المسؤولين


المزيد.....




- أمير تاج السر: أؤرخ للبشر لا للسلاطين والرواية تبحث عن الحقي ...
- العودة إلى زمن (المصابيح الزرق) لحنّا مينه.. علامة مبكرة من ...
- حسين الجسمي يحيي -ليلة من العمر- في الساحل الشمالي وليلى زاه ...
- أنطونيو بانديراس في عيده الـ65: لن أعتزل التمثيل
- مقهى -مام خليل-.. حارس ذاكرة أربيل وقلبها النابض
- بمشاركة 300 دار نشر.. انطلاق -معرض إسطنبول للكتاب العربي- في ...
- الصدق أحلى يا أصحاب. قصة للأطفال جديدة للأديبة سيما الصيرفي
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي حماية ثقافة الشعوب الأصلية ولغاتها؟ ...
- مجتمع ما بعد القراءة والكتابة: هل يصبح التفكير رفاهية؟
- السعودية.. تركي آل الشيخ يكشف اسم فنان سوري سيشارك وسط ضجة - ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بن سالم الوكيلي - ظل الولي ونور الزائر (من أدب الرحلة الروحية)