بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 20:48
المحور:
كتابات ساخرة
يا وطني، يا قطعة من الضوء تطوى في راحة الريح، كم مرة رفعتك الأيادي إلى السماء نشيدا، وكم مرة جلست عليك الأقدار مقهقهة كأنها لا تدري أنك راية من دم وشمس ونبض قديم!
في زمنٍ كنا نقسم فيه بالعلم كما يقسم بالعهد، طلعت علينا شاشة الوطن، فإذا برئيس الحكومة — صاحب المقام والابتسام — لا يرفع العلم بيده، بل يضعه تحت مؤخرته، كما يضع أحدهم وسادة راحته، أو كما توضع الصحف القديمة تحت أقدام الغافلين.
مشهد لا يحتاج إلى تحليل سياسي ولا بلاغة ديبلوماسية. هو ببساطة لوحة سريالية رسمها سوء الذوق بريشة من نسيان. العلم يا سادة ليس قطعة قماش حمراء تتزين بنجمة خضراء، بل هو ذاكرة الجد حين خبأ الرصاصة في صدره ليبقى اللون زاهيا. هو عرق الأم التي غسلت الكفن ليصبح راية.
لكن، يبدو أن المفاهيم انقلبت في زمن “الجلوس”، فصار الشرف يطوى، والرمز يسند عليه الجسد كما يسند الجدار على الغفلة. صار الوطن مقعدا فخما يجلس عليه من نسي أن الكراسي تزول، وأن الأوطان تبقى واقفة.
أيها الرئيس الجالس على الرموز، لو علمت كم من شهيد صرخ في قبره حين رأى المشهد، لنهضت معتذرا للأرض قبل الناس. فليس العيب أن تخطئ، بل أن تجهل أنك جلست على الكرامة وهي تناديك من تحتك: “قم!”.
أيها العلم المسكين، سامحنا. لم تعد الرياح ترفعك كما كنت، بل صرت وسادة في مؤتمرات تفر من المروءة كما يفر الظل من الشمس. ومع ذلك، نحن نعدك — إن بقي فينا نفس من نخوة — أن نغسلك من غبار المهانة، ونرفعك من جديد إلى السماء، حيث لا مؤخرة تطالك، ولا منصب يدنسك.
فلتبك السماء قليلا، ولتضحك الأرض كثيرا، فالوطن ما زال فينا، وإن جلس عليه من جلس، فسيقوم يوما من تحتهم، كما يقوم الكبرياء من تحت الرماد.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟