بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 01:28
المحور:
كتابات ساخرة
في بلاد العجائب الاقتصادية، حيث الدعم أكثر وفرة من المطر، والقمح أغلى من الذهب، نكتشف اليوم أن الدقيق المدعم لم يعد خبز الفقراء، بل صار عجينة الوثائق وكعكة الفواتير. القصة بدأت بتصريح برلماني عابر، انتهى بفضيحة تليق بافلام التحقيقات، إذ أعلن السيد النائب أحمد التويزي ان بعض المطاحن تطحن الورق مع الدقيق المدعم. يا للعجب، لم نعد بحاجة إلى المطابع لطباعة الجريدة، فالخبر صار يؤكل بالخبز نفسه.
في البداية، ضحك الناس، ثم استغربوا، ثم سكتوا، لأن الضحك لم يعد يشبع، والدهشة لم تعد تفاجئ. المواطن الذي كان يخاف من الغلاء، صار يخاف أن يجد في خبز الصباح صفحة من ميزانية الأمس. تخيل أن تفتح خبزك وتقرأ فيه الفصل الثالث من قانون المالية أو فاتورة مدعمة بعشرين طنا من القمح الورقي. إنها حداثة مغربية بطابع إبداعي خالص، لا نضيع شيئا، فحتى الكارتون صار قابلا للطحن.
وحين ثار الناس يسألون: هل هذا معقول؟ هل فعلا نأكل الورق؟ خرج النائب ليقول أن كلامه كان مجازيا، وأن الورق المقصود هو الأوراق الإدارية والفواتير المزيفة. الحمد لله إذا، فالمشكلة ليست في الدقيق، بل في اللغة. يبدو أن الخبز سليم، فقط الوطن هو الذي يحتاج قليلا من التخمير. لكن بين المجاز والحقيقة، ضاعت الثقة في الرغيف. فالمغربي اليوم يعض على الخبز مرتين، مرة ليأكله، ومرة ليتأكد أنه ليس من صنف ريسايكلابل.
ستة عشر مليار درهم تنفق سنويا لدعم الدقيق، ومع ذلك لا نرى إلا رغيفا يتناقص، ومواطنا يتقزم أمام الطوابير. أين يذهب هذا الدعم؟ يبدو أنه يتبخر في مطاحن البيروقراطية، تلك التي تطحن الوقت والضمير والمال العام، وتتركنا أمام فتات من الطحين وحزمة من التبريرات. الدولة تقول هناك مراقبة صارمة، والمطاحن تقول أنها بريئة، والمواطن يقول الله يعفو. أما الورق، فهو الصامت الوحيد في هذه القصة، لأنه يستعمل في كل المراحل: في الدعم، في التزوير، وفي التصريحات.
يا سادة، لسنا ضد الورق، نحن أمة عاشقة للكتابة لكننا نحب أن نقرأه لا أن نمضغه. وإذا كان الدقيق صار مدعوما بالكارتون، فلا عجب أن المواطن صار مطويا مثل ورقة في دفتر الدولة. كل شيء صار ممزوجا في طاحونة واحدة: الحقيقة بالمجاز، الدعم بالفساد، والقمح بالورق.
في النهاية، لا نعرف هل نضحك أم نبكي، لكننا متأكدون من شيء واحد: الطاحونة تدور تدور، ونحن فيها عجينها.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟