بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 06:35
المحور:
الادب والفن
أنا الراوي المتخفي في ظل الجبل،
ابن دوار صغير لا تظهر بيوته في الخرائط،
لكن صبره يملأ السماء.
خرجت من ضلعين:
ضلع بشري تربيه الأمهات،
وضلع لا أعرف إن كان من نور أو من هواء
أو من صدع مفتوح في صدر الجبل.
لم أجىء لأروي…
بل لأتخلص مما علقته الحجارة على جلدي،
مما خبأه صمت زرهون في أنفاسي
كوصية لا يجوز أن تضيع.
في كهف ليلى
تعلمت أن الصدى يحب التعب،
وأن الظلام ليس خصما،
بل معلما يفتح بابا لا يراه أحد.
هناك سمعت صوتا بلا جسد،
يقول:
"اتسع، فالحقيقة أضيق من أن تحتملك إذا ضاقت."
خرجت من الكهف
كمن خرج من اسمه،
وحملت معي ترددا جديدا
صار فيما بعد… قدري.
عند وادي الحامة
فهمت شكل العطش الحقيقي:
هو انتظار يطول
حتى تنحني الظهور قبل أن تنحني الجداول.
ماء يجري،
لكن الأيدي تظل فارغة،
كأنه موظف يطلب أوراقا لا يحملها أحد.
هناك أدركت
أن الظلم ليس ظمأ،
بل طول الطريق إلى الماء.
وفي باب الرميلة
وقفت أمام شجرة صنوبر
أقدم من القرارات،
وأصدق من وعود المدن.
هناك قالت لي الريح:
"يا بن سالم…
إن ضاع صوت الجبل،
فمن سيرفع رأسه بدلا عنه؟"
ومنذ ذلك اليوم
صرت أحمل صوتا
أكبر من حنجرتي،
وأصعب من الصمت الذي كان يسكنني.
من دوار كرمة بن سالم خرجت،
حيث الكرامة لا تسأل عن طريق،
ولا تستعير ظلا من أحد،
بل تقف مثل نخلة قصيرة
تعرف أنها قصيرة،
لكنها لا تنحني.
أنا لست وليا،
ولا نبيا،
ولا شبحا يخرج من الأخاديد،
أنا إنسان فقط،
لكن الحقيقة حين تلمس عظمك
تجعلك أقرب للغيب
مما كنت تظن.
والآن…
أقول ما حملني الجبل لأقوله:
زرهون لا يريد صدقة، بل حقا.
لا يريد منحة، بل نظرة.
لا يريد جملة تقال في اجتماع،
بل يدا تتذكر أن أهله بشر.
ما دام في نفس واحد،
نفس خرج من رحم أمي،
ونفس تسلل إلي من جوف الجبل،
فلن أدع الصمت يبتلع التاريخ،
ولا سأترك التهميش
يصبح موسما من مواسم الحصاد.
وإن رأيتم يوما صخرة تلمع في الليل،
فلا تخافوا…
ربما كنت أنا،
عائدا من الكهف،
ومبللا بماء الحامة،
ومحمولا على ريح الرميلة،
أقول لكم:
لا تتركوا صوت زرهون يموت.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟