بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 19:36
المحور:
الادب والفن
في زرھون، تلك المدينة التي ترتدي عباءة الضباب كل صباح، وتغتسل بدموع الغيوم، يفتح باب ثانوية الخوارزمي على مشهد يتكرر كأنه قدر حزين.
في فناء كان يجب أن يحتضن الحلم، تتطاير الحجارة بدل الكلمات، وتتعالى الأصوات بدل الأناشيد.
كلما اشتعل خلاف صغير بين تلميذين من قريتين متجاورتين، تتحول الشرارة العابرة إلى نار تلتهم الجميع، فينقسم الصف الواحد إلى جبهتين من الغضب، كل يحمل راية قريته كأنها علم وطن ضائع.
يتحول الفناء المدرسي إلى ساحة حرب صغيرة، الحجارة فيها لا تصيب الجسد فقط، بل تصيب روح التعليم ذاتها.
وجوه غضة، كان يفترض أن تبتسم للأمل، تغشيها غيوم الكراهية.
وتتعالى الأصوات كصدى لوجع أكبر من حجارة تتطاير في الهواء… وجع وطن يرى أبناءه يتقاتلون تحت سقف المعرفة.
ولا خير في هذا المشهد لأحد.
التلاميذ الخاسرون لأنهم نسوا أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، ورجال الأمن المنهكون لأنهم يستدعون لإطفاء نار لا تنطفئ، يواجهون الفوضى كل يوم بأياد مثقلة باليأس.
ووسط هذا المشهد، تظل جمعية آباء وأولياء التلميذات والتلاميذ متفرجة بصمت مريب، كأن الأمر لا يعنيها، وكأن دورها لا يتجاوز حضور الاجتماعات والتقاط الصور.
أين هي من مسؤوليتها في التوعية، في الإصلاح، في جمع الكلمة بدل تفرقتها؟
كيف تغيب أصواتهم حين يجب أن تكون أول من يدق ناقوس الخطر؟
لقد تركوا أبناءهم يواجهون الضياع وحدهم، بلا توجيه، بلا احتواء.
وكأن المدرسة فقدت حضنها الثاني، ذاك الذي كان يجب أن تمده الأسرة عبر الجمعية، لا أن تنسحب إلى الهامش وتكتفي بالمشاهدة.
يا أبناء زرھون، ما جدوى أن تنتصر قرية على أخرى إن خسر الجميع أنفسهم؟
الحجر لا يبني كرامة، والغضب لا يصنع مجدا.
والمدرسة ليست ميدانا لتصفية الحسابات، بل موئلا للعلم والحوار، ملجأً تنمو فيه القيم قبل الدروس.
تعالوا لنجعل من هذا الفناء أرضا للسلام،
ومن هذا الغبار المتصاعد من الحجارة غيما يحمل مطر الأمل.
ولتستفق الجمعية من سباتها، فالمسؤولية لا تؤدى بالتصريحات، بل بالفعل، لا بالفرجة، بل بالمبادرة.
زرھون، أيتها الهادئة كالأم، اغفري لأبنائك زلات الغضب، وامنحيهم بعض حكمتك الجبلية.
قولي لهم إن الأرض لا تعرف العداوة، وإن الحجر الذي يرمى في وجه الأخ يعود ليكسر زجاج القلب.
فلنطفئ هذه الحرب الصغيرة قبل أن تكبر فينا،
ولنحول هذا الفوضى إلى وعي، وهذا الصمت إلى فعل،
كي تبقى زرھون، لا ساحة للقتال، بل رمزا للسلام.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟