بن سالم الوكيلي
الحوار المتمدن-العدد: 8552 - 2025 / 12 / 10 - 02:22
المحور:
كتابات ساخرة
يعيش الدجاج في أغلب مدن المغرب حياة متواضعة؛ يتكيف مع تحولات السوق، يحترم قوانين العرض والطلب، وينزل سعره إلى 12 أو 13 درهما بكل تواضع.
غير أن دجاج مولاي إدريس زرهون لا ينتمي إلى هذه الطبقة الاجتماعية البسيطة.
إنه دجاج مترف… نخبوي… دجاج “VIP”، يرتدي بدلة خفية وربطة عنق اقتصادية، ويصر على ألا يباع إلا بـ17 درهما كاملات غير منقوصات.
ويستشعر المرء، وهو يتجول في السوق، أن هذا الدجاج قد خضع لتدريبات خاصة في فنون الصمود؛ فهو يرفض تماما الانخفاض، وكأن كل درهم يشكل جزءا من كرامته الاقتصادية. قد تنخفض أسعار النفط والقمح والذهب، لكن سعر دجاج زرهون؟
ثابت بثبات العقيدة!
وتتناقل الألسن أخبارا طريفة عن اجتماعات سرية لبائعي الدجاج، وكأنهم مجلس أمن قومي يناقش الأمن الغذائي للدولة. يجتمعون، يتشاورون، يضعون “ضمانات مالية” متبادلة لضبط السعر عند 17 درهما، في مشهد لا يليق بسوق دجاج بل بمؤتمر دولي حول استقرار العملات.
ولكي تزداد المفارقة جمالا، يكفي أن تقطع نصف ساعة إلى مكناس لتجد الدجاج هناك يرحب بك بسعر 12 درهما، وكأنه يقول لك:
«أهلا بك في الأراضي المحررة اقتصاديا».
أما في زرهون، فالدجاج يهمس:
«أنا مختلف… لا تقارنني بغيري!»
ويستمر بعض المواطنين في ممارسة هوايتهم المفضلة: إلقاء اللوم على الحكومة في كل شيء، حتى لكأن رئيس الحكومة نفسه يستيقظ كل صباح ليقرر مصير أسعار الدجاج في هذه المدينة بالذات، متجاهلا باقي أسواق البلاد.
لكن الحقيقة التهكمية الجميلة هي أننا نحن، كمستهلكين، نتقن لعب دور “الضحية المتعاون”. نقف أمام السعر المرتفع، نتأمله، نتذمر قليلا، ثم نشتري! وهكذا يشعر البائع، بكل ثقة، بأن السعر المرتفع ليس مشكلة، بل حق مكتسب.
فيصبح السوق —كما هو الحال في كثير من المواقف— مكانا تتعايش فيه الطرافة الاقتصادية مع اللامبالاة الاجتماعية، حيث يواصل الدجاج الزرهوني مسيرته البطولية باعتباره السلعة الوحيدة التي لا تتأثر لا بالأزمات ولا بالانفراجات… وكأنه يملك حصانة اقتصادية لا تنتهي.
ما دام بعض الباعة يرفعون الأسعار بثقة، وما دام بعض المستهلكين يقبلونها بصمت، فإن دجاج زرهون سيواصل أداء دوره البطولي كسفير للغلاء الراسخ، وسيظل الكيلوغرام منه أشبه بقطعة أثرية لا تمس…
حتى يقرر المواطن —لا الحكومة— أن المسرحية قد طال عرضها.
#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟