أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - البنى التحتية وال«حلاوة» التنموية: قراءة سوسيولوجية في كهرباء وليلي زرهون














المزيد.....

البنى التحتية وال«حلاوة» التنموية: قراءة سوسيولوجية في كهرباء وليلي زرهون


بن سالم الوكيلي

الحوار المتمدن-العدد: 8539 - 2025 / 11 / 27 - 17:49
المحور: كتابات ساخرة
    


في سياق الحديث عن التنمية القروية في المغرب، كثيرا ما نقرأ عن المشاريع الضخمة التي رصدت لها ميزانيات مهمة، وعن البرامج التي تعِد بربط أبعد الدواوير بمقومات العيش الكريم. غير أن الواقع، كما تكشفه تجربة جماعة وليلي زرهون، يقدم لنا نموذجا مبهرا في كيفية انتقال المشروع من خانة “منجز” إلى خانة “غير مفعل” بمجرد اصطدامه بجدول أعمال بعض المجالس المنتخبة، حيث يصبح الربط بالكهرباء معادلة أعقد من بناء محطة نووية.

ففي الوقت الذي أنفقت فيه الدولة ملايير لإيصال الكهرباء إلى القرى، وانتهى المقاول من مهمته، وأعلن المكتب المختص أنه أدّى واجبه على أكمل وجه، يقف المواطن القروي أمام باب الجماعة، لا يطلب امتيازا ولا مشروعا استثماريا، بل فقط الضوء. ومع ذلك، يجابه بطلب تصميم بناء لمنزل شيد منذ عقود، قبل أن يكون لـ “التصميم” معنى في القرى، وقبل أن تولد أصلا تلك القوانين التي تطبق اليوم بحماس نظري يفوق بكثير قدرتها على حل مشكلات الناس.

المفارقة الأكثر سخرية أن البنية التحتية جاهزة، والخيوط ممتدة، والأعمدة منصوبة، لكن التيار محجوز إداريا في انتظار رخصة لا يملكها المواطن، أو بالأحرى في انتظار شيء آخر؛ شيء يتحدث عنه الناس همسا وكأنه سر من أسرار الكيمياء الإدارية: “الحلاوة”. فهذه المفردة، وإن لم تدرس في كليات العلوم السياسية، إلا أنها أصبحت جزءا من الثقافة المحلية في تفسير الأسباب الحقيقية وراء تعطيل المصالح. إنها تلك الفلسفة الزاحفة التي تحول القرار الإداري إلى عملية تفاوضية غير منصوص عليها في القانون، ولكنها—بغرابة—راسخة في أذهان الكثيرين كعرف لا يموت.

وبينما يتحدث المسؤولون عن ضرورة تقديم الملفات كاملة وفق المساطر، يتحدث المواطنون عن مساطر أخرى لا تقل أهمية في نظرهم: هل الملف أُودع مع “الخميرة” الاجتماعية المطلوبة؟ هذه الثنائية تخلق مسرحية لا يحتاج فيها المرء إلى نظريات معقدة ليفهم أين يتوقف المنطق الإداري ويبدأ منطق الأعراف الموازية، التي تجعل الحق في الكهرباء معركة يومية لا علاقة لها لا بالمقاول ولا بالبنية التحتية، بل بسلطة توقيع قادر على إضاءة الدوار كله… أو إبقائه في الظلام.

ولأن المواطن القروي لا يملك رفاهية الانتظار الطويل، بات يتقن حياة الظلام وكأنه يعيش تجربة روحانية قسرية. يتنقل بين جدران منزله ليلا وكأنه يشارك في تحدي “من ينجو دون أن يصطدم بالطاولة”. ومع ذلك، لا يفقد الأمل، فربما يأتي يوم يتذكر فيه المسؤول أن التنمية ليست مجرد شعارات في التقارير، بل خدمة مباشرة تغير حياة أسرة وتنهي معاناتها مع الشموع.

وإذ تتوالى الخطابات الملكية التي تدعو بوضوح لمحاربة تعطيل الخدمات والقطع مع الممارسات الموروثة التي تخلف الأذى في حياة المواطنين، يزداد وعي الناس بأن الخلل لا يوجد في المشروع ولا في نية الدولة، بل في تلك الحلقة الوسطى التي تستطيع، بقرار بسيط أو تأخير بسيط، أن تجعل ملايين الدراهم تتحول إلى أسلاك بلا فائدة. إنها المفارقة التي تجعل الدولة تطلق أقمارا صناعية إلى الفضاء بينما يعجز مواطن في كرمة بن سالم عن شحن هاتفه إلا لدى الجيران.

إن ما تحتاجه القرى اليوم ليس فقط كهرباء، بل إصلاحا عميقا في العقل الإداري المحلي، حيث تصبح المصلحة العامة أقوى من مزاج المنتخب، وحيث يعامل المواطن وفق حقه، لا وفق “ملفه”، وحيث لا يكون توقيع الموظف أهم من مشروع تنموي كامل. وعندها، يمكننا القول إن التنمية وصلت فعلا، وأن الضوء الذي أضيء في الأعمدة سيصل أخيرا إلى البيوت، لا إلى دفاتر الاجتماعات.

وإلى ذلك الحين، ستظل القصة مثالا ساخرا على كيف يمكن لمصباح أن ينتظر موافقة طويلة، وكيف يمكن لحق بسيط أن يتحول إلى رحلة إدارية أشبه بدراسة عليا في الصبر، في انتظار أن تعود الكهرباء إلى مسارها الطبيعي: خدمة عمومية وليست مغامرة اجتماعية.



#بن_سالم_الوكيلي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ظلال التجربة إلى حكمة المسير: شهادة لمن يأتي بعدنا
- قصة تولد الآن في مولاي إدريس زرهون
- -مدينة الرحمة الإلكترونية: حين مات كلب وابتسمت الشاشات-
- أحجار في عيوننا: حين يشتعل الطين بين القرى
- مملكة المرايا المكسورة.. أو حين صار كل مغربي شناقا صغيرا
- “العلم الذي أجلس عليه الوطن”
- خبز مدعم بالورق... وأمة تطحن بالوعود!
- -جماعة وليلي – زرهون: إدارة تبحث عن موظفيها في برنامج «مختفو ...
- في بلاد المغرب... حيث تشتكي الأرض من أهلها والجن من قلة الفه ...
- حين يسائل الزمن ظله... وتذبل الخطب القديمة
- -أمة الأغبياء السعداء: حكاية تطور الغباء من خلل عصبي إلى أسل ...
- من رآه فليستعد
- غوستافو بيترو وغزة: حين يطل صوت من الجنوب على جرح مفتوح
- الحلايقية... حين كان للطفولة مجد آخر
- سروال المملكة المثقوب
- غبار على وجوه الأطفال... وبريق على سيارات الجماعة
- في بني مرعاز... حيث استيقظ المركز الصحي من غفوته الطويلة
- ظل الولي ونور الزائر (من أدب الرحلة الروحية)
- -نداء من قلب مكسور-
- -يسرى... زهرة وسط صخر-


المزيد.....




- إيران تحظر دخول غابات مدرجة على قائمة التراث العالمي بعد أن ...
- اكتشافات بجنوب شرق تركيا تشرح حياة البشر في العصر الحجري الح ...
- عمليات جراحية على نغمات الموسيقى: اكتشاف علمي يغير قواعد الت ...
- متاحف قطر تحصد جوائز مرموقة في النسخة الثالثة من جوائز قطر ل ...
- الألكسو تكرم ستيفاني دوجول عن ترجمة -حكاية جدار- وتختار -كتا ...
- تشييع الممثلة الراحلة -بيونة- إلى مثواها الأخير في مقبرة الع ...
- نساء غانا المنفيات إلى -مخيمات الساحرات-
- شاب من الأنبار يصارع التحديات لإحياء الثقافة والكتاب
- -الشامي- يرد على نوال الزغبي بعد تعليقها على أغانيه
- وثائقي -المنكوبون- التأملي.. سؤال الهروب من المكسيك أم عودة ...


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - بن سالم الوكيلي - البنى التحتية وال«حلاوة» التنموية: قراءة سوسيولوجية في كهرباء وليلي زرهون