أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عادل الدول - كيف نحمي أنفسنا من الأشخاص السامّين دون أن نفقد إنسانيتنا















المزيد.....

كيف نحمي أنفسنا من الأشخاص السامّين دون أن نفقد إنسانيتنا


عادل الدول
كاتب

(Adil Al Dool)


الحوار المتمدن-العدد: 8554 - 2025 / 12 / 12 - 02:37
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


السُّم الخفي: حين يتنكّر الأذى في ثوب اللطف

ثمة أشخاص يدخلون حياتنا كنسيم عليل، ثم يتبيّن أنهم عاصفة هادئة تنهك الروح من الداخل. لا يأتون بوجوه عابسة، ولا بصراخ يُنذر بالخطر. بل يأتون بابتسامات مدروسة، وكلمات منمّقة، وحضور يبدو آمنًا... حتى تكتشف متأخرًا أن ما تركوه فيك ليس سوى ثقل لا يُفسَّر، واستنزاف لا يُرى.

السُّم الحقيقي لا يُعلن عن نفسه. إنه يتسلّل في هدوء، يتخفّى خلف الألقاب والشهادات، خلف الأدوار الاجتماعية اللامعة. وتعلّم كشفه مبكرًا ليس رفاهية، بل ضرورة للبقاء سليمًا في عالم تتشابك فيه العلاقات وتتعقّد.


أولًا: الوجوه الخفيّة للسُّم

1. المسرح الاجتماعي: اللطف المُتقَن

في كل تجمّع، يوجد ذلك الشخص الذي يُتقن فن الحضور. يضحك في الوقت المناسب، يُثني على الجميع، يبدو مثاليًا في عيون الحاضرين. لكن ما إن تنتهي الأضواء حتى ينزع القناع. في الزوايا المعتمة، يتحوّل إلى راوٍ لاذع، يُشرّح الآخرين بسكين الكلمات، ويزرع الشكوك بمهارة الممارس.

وأنت، الذي شهدت المشهدين، تجد نفسك محاصرًا بسؤال مؤرّق: "ترى... ماذا يقول عني حين أدير ظهري؟"

2. الوعود المُعلّقة: لغة الازدواجية

يُحدّثونك عن القيم، عن الصدق، عن الوفاء. يَعِدون بالسرية فتُفضي إليهم، ويُقسمون على الدعم فتطمئن. لكن الوعود عندهم كالسحاب الخادع: تُظلّل لحظة ثم تمضي دون مطر.

تلك الصديقة التي تتبرّأ من النميمة في كل لقاء، ثم تقضي السهرة تُقلّب صفحات حياة الآخرين أمامك كمن يقرأ رواية مسلّية. الازدواجية هنا ليست خطأً عابرًا، بل نمط حياة.

3. الضحية الأبدية: مسرحية لا تنتهي

الخطأ عندهم دائمًا من الآخرين. المشكلة لا تأتي أبدًا من سلوكهم، بل من سوء فهم العالم لهم. حين تُواجههم بما فعلوا، لا يعتذرون، بل يُحوّلون المواجهة إلى مأساة شخصية. يرتدون ثوب الضحية بإتقان، ويُجيدون استدرار التعاطف حتى من الذين آذوهم.

إنهم فنانون في تحويل المرآة، بحيث يرى الجميع أنفسهم مذنبين... إلا هم.

4. الاستنزاف الصامت: العطش الذي لا يرتوي

بعد كل لقاء معهم، تشعر بتعب غامض. ليس تعب الجسد، بل نوع أعمق يستقرّ في الروح. يُضخّمون المشاكل، يُقلّلون من مشاعرك، يحتكرون الحديث، ويطلبون الاهتمام دون أن يردّوه يومًا.

علاقتهم بك أشبه بنهر يجري في اتجاه واحد: أنت تُعطي، وهم يأخذون. وحين تجفّ، يبحثون عن نهر آخر.

5. غياب البوصلة: اللعب بالمبادئ

النزاهة عندهم كلمة مطّاطة، تتمدد وتنكمش حسب المصلحة. يميلون حيث تميل الفائدة، ويلتفّون حول الحقيقة ببراعة الساحر. مبادئهم ليست ثابتة، بل متحرّكة، تُعاد كتابتها في كل موقف بما يخدم مصالحهم... حتى لو كان ذلك على حسابك.



ثانيًا: فن الحماية دون القسوة

1. الحدود: خط الدفاع الأول

الحدود ليست جدرانًا من الكراهية، بل سياج من الكرامة. لا تحتاج لتبريرات طويلة، ولا لاعتذارات مُذلّة. قل بهدوء:

"لا أرتاح لهذا الحديث."
"لا أشارك في الكلام عن الغائبين."
"لن أكون متاحًا لهذا النوع من النقاشات."

الحدود الواضحة تفضح السلوك السامّ دون أن تدخل معركة. إنها مرآة صادقة يرى فيها الآخر حقيقة نفسه.

2. رفض لعبة التبرير

الشخص السامّ يملك قدرة عجيبة على تحويلك إلى متهم. فجأة، تجد نفسك تشرح، تبرّر، تعتذر عن أشياء لم تفعلها. تذكّر دائمًا: أنت لست مضطرًا لتفسير كل خطوة، ولا لتبرير كل قرار. حياتك ليست محكمة، وهم ليسوا قضاة.

3. عدم إطعام النار

بعض الأشخاص يعيشون على الفوضى. يستمدّون طاقتهم من إشعال الأزمات، ومن جرّك إلى حلبة المشاكل. أفضل ردّ عليهم؟ الصمت الواعي. ابتسم، غيّر الموضوع برشاقة، أو انسحب بهدوء. لا تُعطهم الوقود الذي يبحثون عنه.

4. المواجهة الهادئة: حين يستدعي الأمر

إن تكرّر السلوك المؤذي، افتح الموضوع مرة واحدة، بصوت هادئ وثابت:
"لاحظت أن حديثك عن الآخرين يزعجني. أحببت أن أكون صريحًا معك."

ما يحدث بعدها يكشف الكثير. إن تغيّر السلوك، فهذا جميل. وإن استمرّ، فهذا أيضًا جواب... لكن من نوع آخر.

5. اختيار المسافة بحكمة

ليس كل إنسان يستحق مقعدًا في الصفوف الأمامية من حياتك. بعض العلاقات يكفيها أن تكون على الهامش: تحيّة عابرة، مجاملة خفيفة، لا أكثر. يمكنك تقليل الوقت، تحويل العلاقة من عمق إلى سطح، أو حتى قطع التواصل إن لزم الأمر. حماية روحك أولى من واجبات المجاملة.

6. عدم الانخداع بدموع الضحية

حين يتحوّل المُسيء فجأة إلى مظلوم، حين تسيل الدموع وترتفع الشكوى، لا تدع العاطفة تُعمي بصيرتك. قيّم السلوك لا الدموع، راقب الأفعال لا الكلمات. الندم الحقيقي يظهر في التغيير، لا في المشاهد الدرامية.

7. الاحتماء بالعلاقات الصحية

العلاقات السليمة كالمصباح الذي يكشف الظلام. حين تعرف طعم الأمان الحقيقي، تُدرك بسهولة السُّم المُتخفّي. أحط نفسك بمن لا تخشى أحكامهم، بمن لا يتلاعبون، بمن لا يرتدون الأقنعة. هؤلاء هم المعيار الذي تقيس به البقية.

---

ثالثًا: لماذا الحماية واجب، لا اختيار

السُّم الاجتماعي ليس كالسُّم الجسدي الذي يقتل بجرعة واحدة. إنه يعمل بالتراكم، قطرة قطرة، يومًا بعد يوم. يُعيد تشكيل طريقة تفكيرك، يُشوّه نظرتك لنفسك، يجعلك تشكّ في حدسك وتُراجع كل قرار.

التعامل اليومي مع الأشخاص السامّين لا يؤذيك فقط، بل يُغيّر من أنت. والعافية النفسية، مثلها مثل الصحة الجسدية، تبدأ من الاختيار: اختيار من نُبقيهم قريبين، ومن نُبعدهم بحزم ورحمة.

---

الحكمة في الاختيار

السلوك السامّ لا علاقة له بالشهادات العلمية، ولا بالمكانة الاجتماعية، ولا بالمظهر الخارجي. قد يحمل الشخص دكتوراه ويحمل معها لسانًا يجرح. قد يكون في قمة النجاح المهني وفي قاع النزاهة الإنسانية. قد يبدو الوجه مُشرقًا، لكن القلب مُعتم.

وأنت لست مُطالبًا بإصلاح الناس، ولا بتحمّل أذاهم على أمل أن يتغيّروا. مهمتك الأولى أن تحمي نفسك، أن تصون سلامك الداخلي، أن تختار من يستحق أن يكون جزءًا من عالمك.

التعرّف، ثم الحدود، ثم الحماية.

هذه هي القاعدة الذهبية.

وتذكّر دائمًا: اللطف الحقيقي لا يحتاج إلى قناع، والإنسان الأصيل لا يتعب من يُحبّه.


*فلتكن علاقاتك انعكاسًا لما تستحقّه روحك: أمانًا، واحترامًا، وصدقًا لا يتزعزع.*



#عادل_الدول (هاشتاغ)       Adil_Al_Dool#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكارثة المعرفية الراهنة..كيف تُصاغ قناعات الناس؟
- الصغير يعلم الكبير - تحول المعرفة يهز أركان المجتمع العربي
- الحرب كنموذج عمل: كيف تحولت الصراعات إلى آلة للربح المستدام
- في انتظار أن يصبح سببًا
- الحسد: رحلة الشعور الأزلي من الأسطورة إلى الخوارزمية
- أنت والحظ: حين تنحرف المعادلة عن قوانينها
- المأزق الثقافي العربي: بين العجز والنهوض
- الألم... ميلادٌ لا ينتهي
- العصر الأسود: أغنية الشاشات المغلقة
- العراق: هشاشة الدولة وأزمة الهوية الوطنية
- سجون عقولنا غير المرئية: كيف تُديرنا معتقدات الطفولة القديمة ...
- التغيير الإيجابي والمستدام: في معنى التكيّف الهوياتي
- البشتون وإسرائيل: بين الأسطورة التوراتية وأدوات المشروع السي ...
- عندما يُشلّنا الخوف من الخطأ: من تبرير النية إلى امتلاك الأث ...
- هل يحتاج العالم العربي إلى ديمقراطية... أم إلى رؤية جديدة لد ...
- قانون جانتي: يُقلّل من الحسد الطبقي، ويُعزّز التماسك الاجتما ...
- هوليوود تُعيد كتابة سرديّتها: حين يكسر النجوم صمتهم عن فلسطي ...
- التسامح مع عدم اليقين
- الإنسان في عصر البيانات الرقمية: بين الوعي والسيطرة
- يطير الملفوظ... ويبقى المكتوب


المزيد.....




- محمد نبيل بنعبد الله يستقبل مدير عام دائرة مناهضة الفصل العن ...
- ترامب يصادر أكبر ناقلة نفط فنزويلية والتوتر يتصاعد
- خطة ترامب المعدّلة لإنهاء حرب أوكرانيا تواجه عقبات جوهرية
- تباينات عميقة تعرقل تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة
- السودان على مفترق طرق: حرب استنزاف أم مفاوضات جادة؟
- جنوب السودان يتولى أمن حقل هجليج النفطي بعد سيطرة الدعم السر ...
- هجوم نادر على إسرائيل بالكونغرس وحديث عن جريمة حرب في لبنان ...
- غواصة روسية تبحر 3 أيام قرب بريطانيا
- ما تفسير البيت الأبيض لوضع ترامب ضمادة على يده؟
- أوكرانيا تقدم لترامب مسودة من 20 بندا لإنهاء الحرب - ماذا تت ...


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عادل الدول - كيف نحمي أنفسنا من الأشخاص السامّين دون أن نفقد إنسانيتنا